ذلك الوقت ، فحفرت لها حفيرة لتولي أمر نفسها ، وضربت في الأرض أطلب لها ماء فرجعت ولم أصب ماء ، فرأيتها قد ولدت غلاما وقد أجهدها العطش ، فالححت في طلب الماء ، ولم أصب ، فرجعت إليها وقد ماتت والصبي حيّ ، فكان بقاء الغلام أشدّ عليّ من وفاة امّه ، فصليت ركعتين ، ودعوت الى الله أن يقبضه ، فما فرغت من دعائي حتى مات.
وقال عبد الله بن موسى : أشدّ ما مرّ بي ، إني خرجت من بعض قرى الشام ، فصرت إلى بعض المسالح وقد تزييت بزي الأكرة والفلاحين ، فسخرني بعض الجند ، وحمل على ظهري شيئا ثقيلا ، فكنت إذا أعييت ، وضعت ما على ظهري للاستراحة ، ضربني ضربا موجعا ، وقال لي : لعنك الله ، ولعن من أنت منه ، وقلت أنا من شديد ما نالني : إني صرت إلى ورزنين (١) ، ومعي ابني محمّد فتزوجت لبعض الحاكة هناك ، وتكنيت : بأبي حفص الجصاص ، فكنت أغدو فأقعد مع بعض من آنس به من الشيعة ، ثم اروح الى منزلي كأني قد عملت يومي ، وولدت المرأة بنتا وتزوج ابني محمد الى بعض موالي عبد قيس هناك ، فأظهر مثل ما أظهرت ، فلما صار لابنتي عشر سنين ، طالبني أخوالها بتزويجها من رجل من الحاكة له فيهم قدر فضقت ذرعا بما دفعت إليه ، وخفت من إظهار نسبي ، وألح القوم عليّ في تزويجها ، ففزعت الى الله وتضرعت إليه في أن يخترمها ، ويحسن عليّ الخلف والعوض عنها ، فأصبحت الصبيّة عليلة ، وماتت من يومها.
فخرجت مبادرا إلى ابني محمد ، ابشره فلقيني في الطريق ، وأعلمني : أنّه ولد له ولد فسماه عليا ، وهو اليوم بناحية ورزنين ، لا أعرف له خبرا للاستتار الذي أنا فيه.
__________________
(١) ورزنين من قرى الري.