آوي إليه ، ورجلا آنس به وبمجالسته فإذا أنا بكهل حسن السمت ، نظيف الثوب ، بين عينيه سيماء الخير ، فقصدته وجلست إليه من غير أن أسلم عليه ، وأسأله عن شيء من أمره ، لما أنا فيه من الجزع والحيرة والدهشة ، فمكثنا كذلك مليا وأنا مطرق ومفكر في حالي فأنشد :
تعودت مسّ الضرّ لما ألفته |
|
وأسلمني حسن العزاء الى الصبر |
وصيرني يأسي من الناس واثقا |
|
بحسن صنيع الله من حيث لا أدري |
قال : فاستحسنت البيتين وتبركت بهما ، وثاب إليّ عقلي ، فقلت له : تفضل أعزّك الله بإعادة البيتين ، فقال لي : ويحك ، يا إسماعيل! ـ ولم يكنني ـ ما أسوأ أدبك ، وأقل عقلك ومروءتك! دخلت عليّ ولم تسلم علي تسليم المسلم على المسلم ، ولا توجعت لي توجع المبتلى للمبتلى ، ولا سألتني مسألة الوارد على المقيم ، حتى إذا سمعت مني بيتين من الشعر الذي لم يجعل الله فيك خيرا إلّا به ، ولم يجعل لك معاشا غيره ، لم تتذكر ما سلف منك فتتلافاه ، ولا اعتذرت عما قدّمته وفرطته فيه من الحقّ حتى استنشدتني مبتدئا كأن بيننا انسا قديما ، ومعرفة سابقة ، وصحبة تبسط القبض.
فقلت له : تعذرني متفضلا ، فدون ما أنا فيه ما يدهش ، قال : وفي أي شيء أنت؟ إنما تركت قول الشعر الذي كان جاهك عندهم ، وسبيلك إليهم فحبسوك حتى تقول ، وأنت لا بدّ من أن تقوله فتطلق ، وأما أنا فيدعى بي الساعة فاطالب بعيسى بن زيد ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله فإن دللت عليه قتل ، ولقيت الله تعالى بدمه ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله خصمي فيه ، وإلّا قتلت ، فأنا