بغير الحق ، فاتقوا الله يا هؤلاء! على أنفسكم وكفوا عما أزمعتم عليه ، فإني خائف عليكم أن تسفكوا دماءكم بغير حق.
فأطرق القوم ساعة ثم قالوا له : يا أبا القاسم! لعلك إنما تكره البيعة لابن الزبير لأنك ترى أنك أحق بالبيعة منه ، فإن كنت كارها لهذا الشأن فاخرج بنا حتى نبايعك ، فقال : أنا لا أستحل القتال تابعا ولا متبوعا ، فقالوا : لقد قاتلت مع أبيك يوم الجمل وصفين والنهروان ، فتبسم وقال : ويحكم ، وأين تجدون مثل أبي في دهركم؟ فو الله ، لو لا أن أبي قاتل أهل القبلة ، لما علم أحد كيف يقاتلهم؟ ولكنه كان لا يتبع موليا ، ولا يجهز على جريح ، ولا يدخل دارا إلا بإذن صاحبها ، فقالوا له : والله ، لا نفارقك حتى تخرج معنا ، وتبايع من قد بايعنا ، فقال لهم : لا والله ، لا خلعت من بايعت ، ولا بايعت من لم يجعل الله له في عنقي بيعة ، فاتقوا الله ربكم واذكروا ما نزل بأخي الحسين وولده وبني عمه وشيعته فإني لكم نذير مبين ، يا قوم! لا ترضوا أحدا من عباد الله بسخط الله.
فانصرف القوم إلى عبد الله بن الزبير فأخبروه فسكت ، ولعبد الله بن الزبير بعد ذلك محاورات ومنازعات معه ومع عبد الله بن عباس يطول الكتاب بذكرها ، فلنذكر ما نحن بصدده.
قال : ثم تحدّث أهل الكوفة بشيء من أمر عبد الله بن الزبير ، فقدم عبيد الله بن زياد من البصرة ، ودعا بخليفته عمرو بن حريث المخزومي فقال له : ويحك يا عمرو بلغني عن ابن الزبير أمر لا أدري أمر لا أدري أحقّ هو أم باطل ، ولست أخاف على أمير المؤمنين من ابن الزبير ، وإنما أخاف عليه من هؤلاء الترابية ، فهل تعلم أحدا بالكوفة ممن يتولى عليا وولده فإني لا أعلم؟ فوثب إليه عمارة بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط فقال له : هذا المختار بن أبي عبيد