وهذه القصة طويلة ذكرنا منها فصلا ، لنذكر فيه لأبي عبيد ـ أبي المختار ـ فضلا ، وقد نسج المختار على منوال أبيه في فضله وزاد بانتقامه من قتلة الحسين ومن اشترك في قتله.
قال الإمام أبو محمد أحمد بن أعثم الكوفي : ولما رجع محمد بن الحنفية من يزيد تحرك عبد الله بن الزبير بمكة ، ودعا إلى نفسه فبعث عبد الله ابن مطيع العدوي ؛ والعباس بن سهل الأنصاري ؛ وجماعة من أبناء المهاجرين والأنصار ، فأتوا محمد بن الحنفية ، فقالوا له : يا أبا القاسم إنا عزمنا على قتال يزيد بن معاوية ، وهذا عبد الله بن الزبير قد بايعناه ، ونريد أن تكون يدك مع أيدينا ، فقال : لا أفعل ذلك ، قالوا : ولم؟ قال : لأني بايعت يزيد وأخذت جائزته ، ولم أخلعه ولم أخنه ، قالوا : فلم بايعته وأنت أنت؟ قال : بايعته خوفا على نفسي وولدي ومن بقي من أهل بيتي ، لأني رأيت الحسين قد قتل فلم آمن يزيد على نفسي ، ورأيت أخي الحسن قد بايع معاوية وأخذ جائزته ، والحسن أفضل مني ، فإن بايعت فلي اسوة بأخي.
فقالوا له : إنّ أخاك الحسن رأى رأيا ، فقال : وأنا أيضا رأيت ذلك الرأي ، فقالوا : يا هذا! إنّ يزيد يشرب الخمر ؛ ويلعب بالكلاب والقرود ؛ وقد فسق وفجر وكفر ، فقال لهم : إني كنت عنده مقيما فلم أطلع منه على كفر ولا فسوق ولا فجور إلى وقت انصرافي ، وأكثر ما ينتهي إليّ من خبره : أنّه يشرب هذا المسكر ، وقد نهيته عن ذلك ، وقضيت ما عليّ ، ولن يؤاخذني ربي بذنبه ، فقالوا له : إنه ليأتي من المنكر والفواحش ولكنه لم يطلعك على ذلك. فقال لهم محمد : هل اطلعكم على ذلك منه؟ فو الله ، لئن كان أطلعكم على ما ذكرتم منه فأنتم شركاؤه في فعله إذ رأيتم منه شيئا من المنكر فلم لا تغيرونه؟ وإن كان لم يطلعكم على شيء من ذلك فقد شهدتم