ونزل الحيرة بعسكره ، وخرج إليه رستم في جمع كثيف ، فكتب إليه أبو عبيد بن مسعود : السلام على من اتبع الهدى ، أدعوكم لهداية الإسلام ، فإن قبلتم وإلّا فاعتقدوا مني الذمة ، وإلّا قاتلتكم برجال هم أحرص على الموت منكم على الحياة ، ثم لا أقلع عنكم حتى أقتل رجالكم وأسبي نساءكم.
فبعث إليه رستم جالينوس في جمع عظيم مقدمة له ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وهزم العدو هزيمة فاحشة ، وحلف أبو عبيد الأمير ليقطعن إليهم الفرات ، فأمر ابن صلوبا فاتخذ له جسرا على الفرات ، فصار مثلا من ذلك الوقت ـ جسر أبي عبيد ـ ، وورخ يوم جسر أبي عبيد لحوادث كثيرة ، ثم عبر إليهم الفرات.
وجاء رستم في جمع عظيم يقدمه الفيل من أعظم ما يكون ، ولم يكن للعرب عهد بالفيل ، فشد الفيل على المسلمين فأهلك ناسا منهم ، وكانت دومة امرأة أبي عبيد قد رأت في تلك الليلة كأن رجلا نزل من السماء بقدح من الشراب ، فشرب منه أبو عبيد وابنه جبر بن أبي عبيد في اناس من أهله فحكت ذلك لزوجها ، فقال : هذه والله ، الشهادة إن شاء الله.
ثمّ قال أبو عبيد : أيها الناس! إن قتلت فعليكم ابني جبر ، وإن قتل جبر فعليكم المثنى بن حارثة ، فلما رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل بالمسلمين قال : هل لهذه الدابة من مقتل؟ قالوا : نعم ، إذا قطع مشفرها هلكت. فشدّ أبو عبيد على الفيل ، وضرب مشفره فقطعه ، وبرك الفيل عليه فقتله ، وانهزم المسلمون فسبقهم عبد الله بن مرئد إلى الجسر فقطعه ، وقال : قاتلوا عن أميركم! فأخذ الراية ابنه جبر فقتل أيضا ، ثم أخذها المثنى فقاتل قتالا شديدا حتى هزم الله العدو ، فهلك يوم الجسر أربعة آلاف رجل بين غريق وقتيل ، ثم بعد هذا أمر عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص على حرب العراق ،