حجّة ، ولا للخاذل معذرة ، إلّا أن يناصح الله في التوبة فيجاهد الفاسقين ، وينابذ المحلّين ، فعسى الله عند ذلك أن يقبل التوبة ، ويقيل العثرة ، فإنه تواب رحيم أرحم الراحمين غافر للمذنبين. ثم أنشد :
تبيت النشاوى من أميّة نوّما |
|
وبالطّف قتلى ما ينام حميمها |
وما ضيّع الإسلام إلا عصابة |
|
تأمر نوكاها (١) ودام نعيمها |
فأضحت قناة الدين في كف ظالم |
|
إذا اعوجّ منها جانب لا يقيمها |
وأقسم لا تنفكّ نفسي حزينة |
|
وعيني سفوحا لا يجفّ سجيمها |
قال : فضجوا بالبكاء والعويل والنحيب ، وأقاموا عند القبر يومهم ذلك وليلتهم يصلّون ويبكون ويتضرّعون ، ثم نادى سليمان بن صرد بالرّحيل ، فجعلوا يودعون القبر ويزدحمون عليه كازدحام الحجيج على الحجر الأسود وهم يقولون : اللهمّ! إنا خرجنا عن الديار والأموال والأهلين والأولاد نريد جهاد الفاسقين الّذين قتلوا ابن بنت نبيك ، فارزقنا الشهادة ، اللهم! إنا نعلم لو كان الجهاد فيهم بمطلع الشمس أو بمغربها ، وبمنقطع التراب لكان حقيقا علينا أن نطلبه حتى نناله ، فإن ذلك هو الفوز العظيم والشهادة التي ثوابها الجنّة.
وساروا من قبر الحسين عليهالسلام فلزموا الطريق الأعظم ، فارتجز رجل منهم وجعل يقول :
خرجن يلمعن بنا ارسالا |
|
يحملن منا فتية أبطالا |
وقد تركنا الأهل والأموالا |
|
والخفرات البيض والحجالا |
نريد أن نلقى بها إقبالا |
|
الفاسقين الغدر الضلالا |
__________________
(١) النوكى : الحمقاء جمع انوك وهو الأحمق.