وغلمانه يمسكونه من ضعفه كيلا يسقط ، وهو يوصيهم ، ويقول لهم : يا شرطة الله! اصبروا تؤجروا ، وصابروا عدوكم تظفروا ، وقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا ، وبعد فقد ترون ما بي من العلّة ، فإن هلكت فأميركم ابن عمي ورقاء بن عازب الأسدي ، فإن اصيب فعبد الله بن ضمرة الغنوي ، فإن اصيب فمسعر بن أبي مسعر الحنفي ، ثم نزل عن الحمار وجلس على كرسي ، وقال للناس : يا أهل العراق! إن شئتم قاتلوا عن دينكم ، وجدّوا في طلب دم ابن بنت نبيكم ، وإن شئتم قاتلوا عن أنفسكم وعن أميركم.
فدنا القوم بعضهم من بعض واقتتلوا ساعة ثم حمل ورقاء بن عازب على رجل من أهل الشام فضربه ضربة منكرة فسقط عن فرسه قتيلا وصاح : يا أهل العراق! احملوا معي ، فحملوا فانهزم أهل الشام هزيمة قبيحة ووضع أهل العراق السيف في أكتافهم نحوا من خمسة فراسخ ، وأسروا منهم زهاء ثلاثمائة رجل ، واتي بهم ليزيد بن أنس ، فأمر بضرب أعناقهم فاوقفوا بين يديه وهو لما به ، فضربت أعناقهم ، وهو يومئ بيده : أن لا تتركوا منهم أحدا فاستوفوهم.
واشتدّت العلّة بيزيد فتوفي في بعض الليل ، فجهز وصلّى عليه ورقاء ابن عازب ، وأقبره ليلا وأصبحوا في حزن على صاحبهم ، فقال لهم ورقاء : يا أهل العراق! ذروا هذا الجزع فكلّ حيّ ميت ، فلا تشربوا قلوبكم الكدر فتهنوا ، وهذا عدو الله وعدوكم عبيد الله قد التأم إليه عسكره ؛ وعسكر آخر من الجزيرة وغيرها ولا اظنّ ان لكم به طاقة ؛ فإني أعلم أنا ان قاتلناهم خاطرنا على أنفسنا لكثرتهم ، وإن هزمنا ما جاءنا لم ينفعنا ، لكثرة مددهم.