وحمل معه أهل العراق بأجمعهم حملة رجل واحد فاصطفقوا بالصفاح ، وتطاعنوا بالرماح ، وتراموا بالسهام ، وإبراهيم يقول لصاحب رايته : تقدّم فداك أبي ، فالحق امامك ، والله ناصرك ، وصاحب الراية يتقدّم وأهل العراق خلفه ، وحان وقت الصلاتين ، وما صلّى القوم إلّا بالإيماء ، حتى إذا كان وقت اصفرار الشمس ، انهزم أهل الشام هزيمة قبيحة وولوا الأدبار ، فأخذ السيف أكتافهم ، وقهقر بقيتهم إلى الموصل ونظر إبراهيم إلى رجل عليه بزّة حسنة ، درع سابغة وعمامة خزّ دكناء ، وديباجة فوق الدرع ، وقد أخرج يده من الديباجة وفيها صفيحة مذهبة ، فقصده إبراهيم لتلك الصفيحة ، وللفرس الذي تحته ، فلم يلبث أن ضربه ضربة شرّقت بيديه وغرّبت برجليه ، فامتد إبراهيم منعطفا من سرجه ، ورجلاه في الركاب إلى الأرض ، وتناول الصفيحة وغار الفرس فما لحقه ، وكان الظلام من الغروب ومن القتام قد ترك الناس لا يبصر بعضهم بعضا.
فتراجع أهل العراق من نحو الموصل إلى معسكرهم لا يطئون إلّا على جسد قتيل ، وأصبحوا وقد فقد منهم ثلاثة وسبعون رجلا ، وأصبح أهل الشام وهم عشرة آلاف رجل وثمانمائة رجل وعامتهم جرحى ، وقد فقد منهم سبعون ألفا فبذلك يقول بعض الشعراء في إبراهيم بن مالك الأشتر ؛ والمختار بن أبي عبيد يمدحهما :
فجزى إبراهيم ثم أبا إسحا |
|
ق عنّا الإله خير الجزاء |
وجزى الله شرطة الله خيرا |
|
عن بني هاشم بحسن البلاء |
إذ تعشّوا منهم بسبعين ألفا |
|
أو يزيدون قبل وقت العشاء |
قتلوا الفاسق اللعين جهارا |
|
في فريق من سائر الأحياء |
وشفوا منهم غليل صدور |
|
وعلى ربّنا تمام الشفاء |