فاجتمع رأيهم على ذلك وتفرّقوا ورجع المختار إلى عسكره ولم يعلم أحدا من أهله ، فلما أصبحوا خرج محمد بن الأشعث إلى الحيرة بعلّة الصيد. ووكل كل شيخ في دربه ومحلته من يعتمده من أهله وأعوانه يتوقعون الصيحة ، فلما انتصف النهار ركب إبراهيم في قومه حتى أتى قصر عمرو بن حريث ثم دخل وعليه سلاحه ، فاستقبله الحاجب فقال : ما شأنك في هذا الوقت وفي هذا الزي؟ قال : إنّ أهل البصرة هزموا الأمير عبيد الله وأنا خارج لنصرته فأخبر الحاجب الأمير ـ وكان نائما في بيت الخيش ـ (١) فخرج مغموما متغير اللون وعليه غلالة كتان منسوج بالذهب وفي رجليه نعلان ، فلما صار في صحن الدار اعتنقه وأخبره الخبر وجلسا يتحدّثان ، فنظر إبراهيم إلى رمح في وسط الدار مغشى بالديباج ، فسأله عنه ، فقال : هذا الرمح الذي حمل رأس الحسين من الطف إلى الشام يفتخر به ابن زياد ومن يوالي آل سفيان ، فاستأذن أن يراه ، فقال عمرو بن حريث : يا غلام! ائت به إلى إبراهيم ، فأخذه إبراهيم وهزّه ثم طعن به عمرو بن حريث فأخرج السنان من وراء ظهره واستلّ سيفه وقتله ، وقتل الحاجب والغلمان ، وارتفعت الصيحة في الدار فلم يخرج إليه أحد إلا قتل ، ثم ضرب الطبل ، فركب عسكر ابن حريث إلى القصر فمن لقيه إبراهيم قتله. ومن فرّ إلى الحيرة قتله ابن الأشعث ، ومن فرّ إلى الجبانة قتله المختار ، ومن هرب إلى السكك والمحال قتله المشايخ ، حتى لم ينج منهم أحد ، فبايع حينئذ أهل الكوفة المختار واحتوى على خزائن ابن زياد ، ووضع الديوان فكتب فيه اثني عشر ألف مقاتل ، وقوي أمره. وبلغ ذلك عبيد الله بن زياد فعرض ستين ألف رجل ، وجاء بهم إلى الكوفة لحرب المختار ، فنزل بباب الكوفة بموضع
__________________
(١) بيت الخيش : يوضع فيه الثلوج بين الخيش للتبريد في الحرّ.