فصر إلى صاحب العلم وأسر إليه : إنّ المختار يعرفك محبا لآل محمد وهو يطالب بدم ابنه الحسين ، ويقول لك : إذا دنوت من عسكر المختار ، فنكس العلم ساعة ، فإن أنت فعلت جزيت من الله ورسوله ، وجعلت لك ولاية البصرة ، فاستأمن الرجل وأكرمه ابن زياد لمعرفته به ، فدنا من صاحب العلم وأسرّ إليه ما أراده المختار ، فقال له : ارجع إليه ، وقل له : إني فاعل ذلك ، فاحمل أنت على القلب ، فلما التحم القتال وحمل إبراهيم في الميمنة ؛ ومحمد بن الأشعث في الميسرة ؛ وحمل هو في القلب ، واستحرّ الضرب ، نكس صاحب العلم علمه فانكسرت النفوس وارتعدت الفرائص ، فولوا مدبرين وأسرّ إبراهيم ابن الأشتر عبيد الله بن زياد ، وجاء به إلى المختار ، فلما اوقف ابن زياد بين يدي المختار خرّ ساجدا شكرا لله تعالى ، ثمّ جلس فضرب بسيفه جبين ابن زياد كما رماه ابن زياد بعمود من حديد فشج جبينه ، ثمّ قطع يديه ورجليه ، ثم رأسه ، ثم صلبه ، ثم أحرقه بالنار.
والصحيح من استيلاء المختار على الكوفة وقتل ابن زياد ما ذكرناه أولا أنه استولى كما تقدّم ، وقتل إبراهيم ابن زياد بالموصل ، لأنّ أصحاب التواريخ والنسّابين قد اتفقوا على أنه لم يكن لبني اميّة ولاية بالعراق من سنة أربع وستين ، وهي السنة التي مات فيها يزيد وهرب ابن زياد من العراق إلى الشام ، إلى سنة اثنين وسبعين وهي السنة التي دخل عبد الملك بن مروان فيها العراق ، وقتل مصعب بن الزبير وولى فيها الحجاج بعد قتله عبد الله بن الزبير.
وكان خروج المختار ومقتل ابن زياد سنة ست وستين ، وكان ابن زياد في هذه السنة في الشام هاربا من العراق ، فكيف يكون أميرا على البصرة؟ والبصرة كانت ولايتها من السنة التي مات فيها يزيد وهي سنة أربع وستين