وأرسلوا فتية من خيرهم نسبا |
|
ليدخلوني ضريحا بين أطباق |
هون عليك ولا تولع باشفاق |
|
فإنما مالنا للوارث الباقي |
فسمع المختار هذه الأبيات من السائب ، فقال له : لله در عبد الله بن حذاق ، ما أجود هذه الأبيات! أما والله ، لو لا ما نحن فيه ، لأحببت أن أحفظها ، والله ، يا سائب! لو كان لي عشرة من مثلك لقهرت مصعبا وأصحابه.
ثم قال لأصحابه : اخرجوا بنا ويحكم حتى نقاتل هؤلاء فنقتل كراما ، وو الله ، ما أنا بآيس إن صدقتموهم القتال ، أن تنصروا عليهم. فأجابه أصحابه إلى ذلك ، وقالوا : ما الرأي إلّا ما رأيت ، وليس يجب علينا أن نعطي بأيدينا ، ويحكم هؤلاء في دمائنا ، فاعزم على ما أنت عليه عازم من أمرك ، فها نحن بين يديك.
فبعث المختار إلى امرأته أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزارية ، فأرسلت إليه بطيب كثير وحنوط ، فقام واغتسل ، ثم أفرغ عليه ثيابه وتحنط ، ووضع ذلك الطيب في رأسه ولحيته ، وقام أصحابه ففعلوا ذلك ، وقال له بعض أصحابه : يا أبا إسحاق! ما من الموت بدّ؟ فقال : لا والله ، يا ابن أخي! ما من الموت بد ، وقد رأيت والله عبد الله بن الزبير بالحجاز وبني أميّة بالشام ومصعبا بالعراق ، ولم أكن بدون واحد منهم ، وإنما خرجت بطلب دماء أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وقد والله ، شفيت نفسي من أعدائهم ، وممن شرك في دمائهم ، ولست ابالي بعد هذا كيف أتاني الموت. ثم استوى على جواده وقال :
لما رأيت الأمر قد تعسّرا |
|
وشرطة الله قياما حسرا |
شددت في الحرب عليّ مغفرا |
|
وصارما مهندا مذكرا |