قال : لا ، والله لا يتهيأ لي ذلك ، فلا تجشمني من الأمر ما لا اطيقه.
فسار مصعب حتى التقى بعبد الملك بدير الجاثليق ، فعبأ عبد الملك أصحابه ، فجعل على ميمنته عبد الله بن يزيد بن معاوية ، وعلى ميسرته خالد بن يزيد بن معاوية ، وعلى القلب أخاه محمد بن مروان ، وعبأ مصعب أصحابه ، فجعل على ميمنته حمزة بن يزيد العتكي ، وعلى ميسرته عبد الله بن أوس الجعفي ، وعلى القلب إبراهيم بن مالك الأشتر ، فحارب يومئذ إبراهيم محاربة شديدة حتى أصابته نيف وثلاثون ضربة وطعنة ، فصرعوه عن فرسه ، واحتزوا رأسه ، وأتوا به إلى عبد الملك ، فلما قتل إبراهيم تضعضع ركن مصعب ، فالتفت إلى قطن بن عبد الله ، فقال : تقدم ، فقال قطن : ما أرى ذلك صوابا ، قال : لم؟ قال : لأنّ القوم كثير ، ثم قال مصعب لمحمد بن عبد الرحمن بن سعيد الهمداني ـ : لو قدّمت رايتك قيلا ، فقال : ما رأيت أحدا فعل ذلك فأفعل ، فرمي مصعب عند ذلك بالسهام ، حتى اثخن بالجراحات ، وكاد أن يسقط عن فرسه ، فتقدم عيسى بن مصعب ، فقاتل بين يدي أبيه حتى قتل ، وبقي مصعب لا يقدر أن يحرك يدا ولا رجلا.
فقال محمد بن مروان : لا تقتل نفسك يا مصعب! فقد آمنتك بأمان أمير المؤمنين ، فقال : إنّ أمير المؤمنين بالحجاز ، فحمل عليه عبد الله بن ظبيان التيمي ، فقتله وأخذ رأسه ، ووضعه بين يدي عبد الملك ، ثم أمر عبد الملك أن يؤخذ رأس مصعب ؛ ورأس ابنه عيسى ؛ ورأس إبراهيم بن الأشتر ، فيطاف بها في أجناد الشام ، ثم قدم الكوفة في أجناد أهل الشام ، ونادى في الناس بالأمان ، ثم دعاهم إلى بيعته فبايعوا طائعين.
ثمّ إنّ الحجاج بن يوسف رأى في منامه أنه كان يسلخ عبد الله بن