طريق تحويل تلك الأدوار الزاخرة بالعلم والمعرفة إلى قوة جديدة وطاقة محركة للحياة ، مع تشخيص ما في ذلك العطاء القيم من نقاط انطلاق لم تبلها سعة المسافات الزمنية الفاصلة بيننا وبين عصور أولئك العباقرة العظام.
وليس هناك ذرة شك بأن على رأس العباقرة العظام الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام (ت ١٤٨ ه) ، ذلك الإمام العظيم الفذ ، والعبقري الفرد ، عديم النظير في عصره شرفا وعلما وأدبا وأخلاقا وفضلا ونبلا وسموا.
فقد استطاع وبكل جدارة أن يعيد للإسلام قوته ، ويرسي قواعد الفكر الصحيح على أسسه ، فاضطلع عليهالسلام بمهمة التغيير الكبرى على أوسع نطاق ، خصوصا وقد شاهد خطورة الموقف الإسلامي إزاء تلوث المجتمع بالمفاهيم الدخيلة الوافدة إليه عن طريق الفلسفات الأجنبية التي تسللت رويدا إلى ساحته عبر القنوات الكثيرة التي شقتها فتوحات العصر الأموي (٤٠ ـ ١٣٢ ه) وأوائل العصر العباسي (١٣٢ ـ ٢٣٤ ه) ، وما نتج عن ذلك من نشوء التيارات الفكرية الخطيرة ، مع بروز حركة الزندقة بفعل تلك الرواسب الثقافية الدخيلة ، فضلا عن استشراء الفساد الخلقي في عاصمة الخلافة ـ دمشق ثم بغداد ـ على أثر تصدير الانحراف إلى شرائح المجتمع من قصور الخلفاء أنفسهم ، ويشهد على ذلك الكثير مما وصل إلينا من أدب البلاط في ذينك العصرين.
وقف الإمام الصادق عليهالسلام كالطود الأشم بوجه تلك العواصف الكثيرة التي كادت أن تعصف بالإسلام ، وجاهد جهادا علميا عظيما حتى استطاع بحكمته وعطائه وإخلاصه لله عز شأنه أن يصبغ الساحة الفكرية والثقافية