ـ التي تدنت بها القيم والأخلاق ـ بمعارف الإسلام العظيم ومفاهيمه الراقية ، وتمكن من تحويل تلك المفاهيم إلى غذاء روحي يومي ، فنقلها من الواقع النظري إلى حيز التطبيق الفعلي ابتداء بمدرسته العظيمة التي كانت تضم ما يزيد على أربعة آلاف رجل وكلهم من تلامذته ورواد مدرسته عليهالسلام ، فكانوا مشاعل نور أضاءت لكل ذي عينين من أفراد الأمة ما أظلم عليه.
ونتيجة لهذا الجهاد العلمي المتواصل فقد اكتسب الواقع الثقافي الإسلامي بفضل مدرسته المباركة مناعة قوية ضد وباء الانحراف.
لقد استمرت مدرسة الإمام الصادق عليهالسلام في أداء رسالتها ، يغذيها الأئمة من ولده عليهمالسلام من بعده بفيض من علم النبوة ونور الولاية ، ولم يخب ضوؤها بتعاقب الزمان وتجدد الملوان ، ويشهد لذلك : أنك واجد في كل عصر قطبا من أقطابها يشار له بالبنان ، وتشد إليه الرحال من كل فج عميق.
وما الشيخ الطوسي رحمهالله إلا واحد من أولئك الأقطاب الذين كان دورهم مميزا فيها على صعيد العلوم الإسلامية بأسرها. وهو كما يقول أحد أبرز علماء العصر واصفا جانبا من دوره العظيم :
«إن الشيخ الطوسي لم يكن وجوده ودوره على الخط العلمي تعبيرا عن مجرد إضافة عددية إلى العلماء الذين سبقوه ، وإنما كان منطلق رحلة جديدة من تطور الفكر الفقهي والأصولي في الإطار الشيعي. وبالرغم من أن طاقات علمية تدريجية ـ مهدت لهذا المنطلق ـ اندمجت فيه من قبيل العطاءات العلمية التي تعاقبت من ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، والشيخ المفيد ، والسيد المرتضى قدس الله أرواحهم ، فإن نبوغ الشيخ الطوسي هو الذي استطاع أن يصب كل تلك الطاقات في بناء علمي واحد ، ويضيف إليها من عطائه وإبداعه ما هيأ للعلم أسباب الانتقال إلى مرحلة جديدة من