السياسية والاجتماعية لم تتسع لصناعة الكتابة التي إنما تنشأ بنشوء الجماعة المنظمة ، وتنمو بنمو القوى المفكرة ، وتعظم بعظم الحاجة إليها ، بيد أن سكان الحواضر من أهل اليمن اصطنعوا الكتابة لما هم عليه من تقدم العمران ، ويعرف خطهم بالمسند الحميري ، حروفه منفصلة ، وفيه شبه بالكتابة الحبشية ، ومنه تفرع الخط الكوفي ، وترك اليمانيون من آثارهم نقوشا حجرية ، يرجع أبعدها عهدا إلى المائة الثامنة قبل المسيح (١) ، كشف عنها المنقبون الأوروبيون من إنكليز وألمان وفرنسيين في النصف الأول من القرن التاسع عشر ، وجعلت أساسا للبحث التاريخي في مدينتي سبأ وحمير.
ولم يحرم عرب الشمال فن الكتابة ـ على شيوع الأمية فيهم ـ فإن النصارى في العراق والجزيرة علموا جيرانهم الخط المعروف بالجزم (٢) ، وله صلة بالآرامي النبطي ، فكانت الكتابة العربية في الأنبار والحيرة وما جاورهما.
وكذلك النصارى الأنباط في فلسطين الثالثة علموا من جاورهم من عرب الشام الخط النسخي الجليل المتفرع من الجزم.
وتعلم بعض القرشيين خط الجزم من نصارى الحيرة في رحلاتهم التجارية إلى العراق ، فحملوه إلى مكة ، فظهرت فيهم الكتابة قبل الإسلام ، وظهرت أيضا في يثرب ، ولليهود يد في ذلك.
ولبثت الكتابة قاصرة في الجاهلية لا يتعلمها من العرب إلا أفراد من أهل الحواضر ، وإذا تعلموها لا يبلغون فيها حد الإحكام والإتقان ، ولا
__________________
(١) تاريخ الأدب العربي ـ لنيكلسون ـ : ١٨٨١. (الترجمة العربية لحسن حبشي في مجلة الرسالة سنة ١٩٣٦).
(٢) سمى العرب خطهم بالجزم لأنه جزم من الآرامي النبطي ، أي : اقتطع ، لا كما توهم مؤرخو العرب أنه جزم من المسند.