حيال البيت الذي أنا فيه ، وابتدأت أنظم الرقاع وأصفها ، فغلبتني عيني ، فرأيت كأن رجلا أسود ، قد دخل إلي بمهند ذي نار ، فقال : تجمع حديث هذا العدو لله؟! أحرقه وإلا أحرقتك! وأومأ بيده بالنار ، فصحت ، وانتبهت ، فعدت أمي ، فقالت : ما لك؟! ما لك؟! فقلت : مناما رأيته.
وجمعت الرقاع ، ولم أعرض لتمام التصنيف ، وهالني المنام وتعجبت منه.
فلما كان بعد مدة طويلة ، ذكرت المنام لشيخ من أصحاب الحديث كنت آنس به ، فذكر لي أن عمرو بن شعيب هذا لما أسقط عمر بن عبد العزيز ـ من الخطب على المنابر ـ لعن أمير المؤمنين عليهالسلام قام إليه عمرو بن شعيب ـ وقد بلغ إلى الموضع الذي كانت بنو أمية تلعن فيه عليا ـ فقرأ مكانه : (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر) (١) ..
فقام إليه عمرو بن شعيب ، فقال : يا أمير المؤمنين! السنة ، السنة ، يحرضه على لعن علي بن أبي طالب عليهالسلام.
فقال عمر : اسكت ، قبحك الله ، تلك البدعة لا السنة ، وتمم الخطبة.
قال أبو عبد الله الختلي : فعلمت أن منامي كان عظة من أجل هذه الحال ، ولم أكن علمت من عمرو هذا ، فعدت إلى بيتي وأحرقت الرقاع التي كنت جمعت فيها حديثه (٢).
نعم ، أفرد مسلم ـ صاحب الصحيح ـ هذا الطريق في كتاب سماه
__________________
(١) سورة النحل ١٦ : ٩٠.
(٢) الأمالي الخميسية ١ / ١٥٣.