ولقد جاءت محاولات الجميع في غربلة ذلك التراث بنتائج طيبة إذ أبعدوا الحديث الموضوع والمكذوب على أهل البيت عليهمالسلام ، واقتصروا على تدوين الحديث الصحيح أو ما رأوه قريبا من الصحة ، يساعدهم على ذلك تضلعهم في علمي الحديث والرجال ، مع تراكم الأعمال الرجالية السابقة ووصولها إليهم ، وهو ما عبر عنه الشيخ الطوسي نفسه ، بقوله :
«إنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، ووثقت الثقات منهم ، وضعفت الضعفاء ، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ، ومن لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم ، وقالوا : فلان متهم في حديثه ، وفلان كذاب ، وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنفوا في ذلك الكتب» (١).
ويظهر من تعامل الشيخ مع الأخبار في كتابيه العظيمين : التهذيب ، والاستبصار ، أن الجهود السابقة لم تنصب بشكل مباشر إلا على فرز الحديث المكذوب عن غيره ، وأنه لم يتحقق اشتغالهم برفع الاختلاف وحل التناقض بين الأخبار ، ولا إهمال الشاذ النادر ، ولكنهم أفردوه بأبواب خاصة ، تشعر بشذوذه وندرته ، كما أنهم لم يهملوا الضعيف بالإرسال أو الانقطاع ونحو ذلك في مدوناتهم ، بل أوردوه مع المسند من قبيل الشواهد والمتابعات ، وإن كان ظاهر الكافي والفقيه الاحتجاج به عند عدم المعارض مع وجود ما يدل على صدقه.
نعم ، كانت جل عنايتهم ما ذكرناه مع إهمال ما سواه ، اللهم ، إلا إذا
__________________
(١) العدة في أصول الفقه ـ للشيخ الطوسي ـ
١ / ١٤١ ، من الطبعة المحققة.