(أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٩) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى) (٤٠)
____________________________________
وأن فى قوله تعالى (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) مفسرة لأن الوحى من باب القول أو مصدرية حذف منها الباء أى بأن اقذفيه ومعنى القذف ههنا الوضع وأما فى قوله تعالى (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) فالإلقاء وهذا التفصيل* هو المراد بقوله تعالى (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) لا القذف بلا تابوت (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) لما كان إلقاء* البحر إياه بالساحل أمرا واجب الوقوع لتعلق الإرادة الربانية به جعل البحر كأنه ذو تمييز مطيع أمر بذلك وأخرج الجواب مخرج الأمر والضمائر كلها لموسى عليهالسلام والمقذوف فى البحر والملقى بالساحل وإن كان هو التابوت أصالة لكن لما كان المقصود بالذات ما فيه جعل التابوت تابعا له فى ذلك (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) جواب للأمر بالإلقاء وتكرير العدو للمبالغة والتصريح بالأمر والإشعار بأن عداوته له مع تحققها لا تؤثر فيه ولا تضره بل تؤدى إلى المحبة فإن الأمر بما هو سبب للهلاك صورة من قذفه فى البحر ووقوعه فى يد عدو الله تعالى وعدوه مشعر بأن هناك لطفا خفيا مندرجا تحت قهر صورى وقيل الأول باعتبار الواقع والثانى باعتبار المتوقع وليس المراد بالساحل نفس الشاطىء بل ما يقابل الوسط وهو ما يلى الساحل من البحر بحيث يجرى ماؤه إلى نهر فرعون لما روى أنها جعلت فى التابوت قطنا ووضعته فيه ثم قيرته وألقته فى اليم وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر صغير فدفعه الماء إليه فأتى به إلى بركة فى البستان وكان فرعون جالسا ثمة مع آسية بنت مزاحم فأمر به فأخرج ففتح فإذا هو صبى أصبح الناس وجها فأحبه عدو الله حبا شديدا لا يكاد يتمالك الصبر عنه وذلك قوله تعالى (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) كلمة من متعلقة* بمحذوف هو صفة لمحبة مؤكدة لما فى تنكيرها من الفخامة الإضافية أى محبة عظيمة كائنة منى قد زرعتها فى القلوب بحيث لا يكاد يصبر عنك من رآك ولذلك أحبك عدو الله وآله وقيل هى متعلقة بألقيت أى أحببتك ومن أحبه الله تعالى أحبته القلوب لا محالة وقوله تعالى (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) متعلق بألقيت معطوف* على علة له مضمرة أى ليتعطف عليك ولتربى بالحنو والشفقة بمراقبتى وحفظى أو بمضمر مؤخر هو عبارة عما قبله من إلقاء المحبة والجملة مبتدأة أى ولتصنع على عينى فعلت ذلك وقرى ولتصنع على صيغة الأمر بسكون اللام وكسرها وقرىء بفتح التاء والنصب أى وليكون عملك على عين منى لئلا يخالف به عن أمرى (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) ظرف (لِتُصْنَعَ) على أن المراد به وقت وقع فيه مشيها إلى بيت فرعون وما ترتب عليه من القول والرجع إلى أمها وتربيتها له بالبر والحنو وهو المصداق لقوله تعالى (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) إذ لا شفقة