أعظم من شفقة الأم وصنعها على موجب مراعاته تعالى وقيل هو بدل من إذ أوحينا على أن المراد به زمان متسع متباعد الأطراف وهو الأنسب بما سيأتى من قوله تعالى (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِ) الخ فإن جميع ذلك من المنن الإلهية ولا تعلق لشىء منها بالصنع المذكور وأما كونه ظرفا لألقيت كما جوز فربما يوهم أن إلقاء* المحبة لم يحصل قبل ذلك ولا ريب فى أن معظم آثار إلقائها ظهر عند فتح التابوت (فَتَقُولُ) أى لفرعون وآسية حين رأتهما يطلبان له عليهالسلام مرضعة يقبل ثديها وكان لا يقبل ثديا وصيغة المضارع فى* الفعلين لحكاية الحال الماضية (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ) أى يضمه إلى نفسه ويربيه وذلك إنما يكون بقبوله ثديها يروى أنه فشا الخبر بمصر أن آل فرعون أخذوا غلاما فى النيل لا يرتضع ثدى امرأة واضطروا إلى تتبع النساء فخرجت أخته مريم لتعرف خبره فجاءتهم متنكرة فقالت ما قالت وقالوا ما قالوا فجاءت* بامه فقبل ثديها فالفاء فى قوله تعالى (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ) فصيحة معربة عن محذوف قبلها يعطف عليه* ما بعدها أى فقالوا دلينا عليها فجاءت بأمك فرجعناك إليها (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها) بلقائك (وَلا تَحْزَنَ) أى لا يطرأ عليها الحزن بفراقك بعد ذلك وإلا فزوال الحزن مقدم على السرور المعبر عنه بقرة العين فإن التخلية* متقدمة على التحلية وقيل ولا تحزن أنت بفقد إشفاقها (وَقَتَلْتَ نَفْساً) هى نفس القبطى الذى استغاثه* الإسرائيلى عليه (فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ) أى غم قتله خوفا من عقاب الله تعالى بالمغفرة ومن اقتصاص فرعون* بالإنجاء منه بالمهاجرة إلى مدين (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) أى ابتليناك ابتلاء أو فتونا من الابتلاء على أنه جمع متن أو فتنة على ترك الاعتداد بالتاء كحجوز فى حجزة وبدور فى بدرة أى خلصناك مرة أخرى وهو إجمال ما ناله فى سفره من الهجرة عن الوطن ومفارقة الإلاف والمشى راجلا وفقد الزاد وقد روى أن سعيد ابن جبير سأل عنه ابن عباس رضى الله عنهما فقال خلصناك من محنة بعد محنة ولد فى عام كان يقتل فيه الولدان فهذه فتنة يا ابن جبير وألقته أمه فى البحر وهم فرعون بقتله وقتل قبطيا وآجر نفسه عشر سنين وضل الطريق وتفرقت غنمه فى ليلة مظلمة وكان يقول عند كل واحدة فهذه فتنة يا ابن جبير ولكن الذى يقتضيه النظم الكريم أن لا تعد إجارة نفسه وما بعدها من تلك الفتون ضرورة أن المراد بها ما وقع قبل وصوله عليه* السلام إلى مدين بقيضة الفاء فى قوله تعالى (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) إذ لا ريب فى أن الإجارة المذكورة وما بعدها مما وقع بعد الوصول إليهم وقد أشير بذكر لبثه عليهالسلام فيهم دون وصوله إليهم إلى جميع ما فاساه عليهالسلام فى تضاعيف تلك السنين العشر من فنون الشدائد والمكاره التى كل واحد منها* فتنة وأى فتنة ومدين بلدة شعيب عليه الصلاة والسلام على ثمانى مراحل من مصر (ثُمَّ جِئْتَ) إلى المكان الذى أونس فيه النار ووقع فيه النداء والجؤار وفى كلمة التراخى إيذان بأن مجيئه عليهالسلام كان بعد اللتيا* والتى من ضلال الطريق وتفرق الغنم فى الليلة المظلمة الشاتية وغير ذلك (عَلى قَدَرٍ) أى تقدير قدرته لأن أكلمك وأستنبئك فى وقت قد عينته لذلك فما جئت إلا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأجر وقيل على* مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء عليهمالسلام وهو رأس أربعين سنة وقوله تعالى (يا مُوسى) تشريف له عليه الصلاة والسلام وتنبيه على انتهاء الحكاية التى هى تفصيل المرة الأخرى التى وقعت قبل المرة المحكية أولا.