(قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى (٥٠) قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) (٥١)
____________________________________
أرسلكما وتخصيص النداء بموسى عليه الصلاة والسلام مع توجيه الخطاب إليهما لما أنه الأصل فى الرسالة وهرون وزيره وأما ما قيل من أن ذلك لأنه قد عرف أن له عليه الصلاة والسلام رتة فأراد أن يفحمه فيرده ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حسن البيان القاطع لذلك الطمع الفارغ وأما قوله ولا يكاد يبين فمن غلوه فى الخبث والدعارة كما مر (قالَ) أى موسى عليه الصلاة والسلام مجيبا له (رَبُّنَا) إما مبتدأ* وقوله تعالى (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) خبره أو هو خبر لمبتدأ محذوف والموصول صفته وأياما كان فلم يريدا بضمير المتكلم أنفسهما فقط حسبما أراد اللعين بل جميع المخلوقات تحقيقا للحق وردا عليه كما يفصح عنه ما فى حين الصلة أى هو ربنا الذى أعطى كل شىء من الأشياء خلقه أى صورته وشكله اللائق بما نيط به من الخواص والمنافع أو أعطى مخلوقاته كل شىء تحتاج هى إليه وترتفق به وتقديم المفعول الثانى للاهتمام به أو أعطى كل حيوان نظيره فى الخلق والصورة حيث زوج الحصان بالفرس والبعير بالناقة والرجل بالمرأة ولم يزوج شيئا من ذلك بخلاف جنسه وقرىء خلقه على صيغة الماضى على أن الجملة صفة للمضاف أو المضاف إليه وحذف المفعول الثانى إما للاقتصار على الأول أى كل شىء خلقه الله تعالى لم يحرمه من عطائه وإنعامه أو للاختصار من كونه منويا مدلولا عليه بقرينة الحال أى أعطى كل شىء* خلقه الله تعالى ما يحتاج إليه (ثُمَّ هَدى) أى إلى طريق الانتفاع والارتفاق بما أعطاه وعرفه كيف يتوصل إلى بقائه وكماله إما اختيارا كما فى الحيوانات أو طبعا كما فى الجمادات والقوى الطبيعية النباتية والحيوانية ولما كان الخلق الذى هو عبارة عن تركيب الأجزاء وتسوية الأجسام متقدما على الهداية التى هى عبارة عن إيداع القوى المحركة والمدركة فى تلك الأجسام وسط بينهما كلمة التراخى ولقد ساق عليه الصلاة والسلام جوابه على نمط رائق وأسلوب لائق حيث بين أنه تعالى عالم قادر بالذات خالق لجميع الأشياء منعم عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضل وضمنه أن إرساله تعالى إلى الطاغية من جملة هداياته تعالى إياه بعد أن هداه إلى الحق بالهدايات التكوينية حيث ركب فيه العقل وسائر المشاعر والآلات الظاهرة والباطنة (قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) لما شاهر اللعين ما نظمه عليه الصلاة والسلام فى سلك الاستدلال من البرهان النير على الطراز الرائع خاف أن يظهر للناس حقية مقالاته عليه الصلاة والسلام وبطلان خرافات نفسه ظهورا بينا فأراد أن يصرفه عليه الصلاة والسلام عن سننه إلى مالا يعنيه من الأمور التى لا تعلق لها بالرسالة من الحكايات ويشغله عما هو بصدده عسى يظهر فيه نوع غفلة فيتسلق بذلك إلى أن يدعى بين يدى قومه نوع معرفة فقال ما حال القرون الماضية والأمم الخالية وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة فأجاب عليه الصلاة والسلام بأن العلم بأحوالهم مفصلة مما لا ملابسة له بمنصب الرسالة وإنما علمها عند الله عزوجل وأما ما قيل من أنه سأله عن حال من خلا من القرون وعن شفاء من شقى منهم وسعادة من سعد فيأباه