(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) (٧٠)
____________________________________
وعصيهم وألق العويد الذى فى يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقفها مع وحدته وكثرتها وصغره وعظمها يأباه ظهور حالها فيما مر مرتين على أن ذلك المعنى إنما يليق بما لو فعلت العصا ما فعلت وهى على هيئتها الأصلية* وقد كان منها ما كان وقوله تعالى (تَلْقَفْ ما صَنَعُوا) بالجزم جوابا للأمر من لقفه إذا ابتلعه والتقمه بسرعة والتأنيث لكون ما عبارة عن العصا أى تبتلع ما صنعوه من الحبال والعصى التى خيل إليك سعيها وخفتها والتعبير عنها بما صنعوا للتحقير والإيذان بالتمويه والتزوير وقرىء تلقف بتشديد القاف وإسقاط إحدى التاءين من تتلقف وقرىء بالرفع على الحال أو الاستئناف والجملة الأمرية معطوفة على النهى متممة بما فى حيزها لتعليل موجبه ببيان كيفية غلبته عليه الصلاة والسلام وعلوه فإن ابتلاع عصاه لأباطيلهم التى منها أوجس فى نفسه ما أوجس مما يقلع مادته بالكلية وهذا كما ترى صريح فى أن خوفه عليه الصلاة والسلام لم يكن مما ذكر من مخالجة الشك للناس وعدم اتباعهم له عليه الصلاة والسلام وإلا لعلل بما يزيله* من الوعد بما يوجب إيمانهم واتباعهم له عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى (إِنَّما صَنَعُوا) الخ تعليل لقوله* تعالى تلقف ما صنعوا وما إما موصولة أو موصوفة أى إن الذى صنعوه أو إن شيئا صنعوه (كَيْدُ ساحِرٍ) بالرفع على أنه خبر لأن أى كيد جنس الساحر وتنكيره للتوسل به إلى تنكير ما أضيف إليه للتحقير وقرىء بالنصب على أنه مفعول صنعوا وما كافة وقرىء كيد سحر على أن الإضافة للبيان كما فى علم فقه أو* على معنى ذى سحر أو على تسمية الساحر سحرا مبالغة وقوله تعالى (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ) أى هذا الجنس* (حَيْثُ أَتى) أى حيث كان وأين أقبل من تمام التعليل وعدم التعرض لشأن العصا وكونها معجزة إلهية مع ما فى ذلك من تقوية التعليل للإيذان بظهور أمرها والفاء فى قوله تعالى (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً) كما سلف فصيحة معربة عن محذوفين ينساق إليهما النظم الكريم غنيين عن التصريح بهما لعدم احتمال تردد موسى عليهالسلام فى الامتثال بالأمر واستحالة عدم وقوع اللقف الموعود أى فألقاه عليهالسلام فوقع ما وقع من اللقف فألقى السحرة سجدا لما تيقنوا أن ذلك ليس من باب السحر وإنما هى آية من آيات الله عزوجل روى أن رئيسهم قال كنا نغلب الناس وكانت الآلات تبقى علينا فلو كان هذا سحرا فأين ما ألقيناه من الآلات فاستدل بتغير أحوال الأجسام على الصانع القادر العالم وبظهور ذلك على يد موسى عليه الصلاة والسلام على صحة رسالته لا جرم ألقاهم ما شاهدوه على وجوههم وتابوا وآمنوا وأتوا بما هو غاية الخضوع قيل لم يرفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار والثواب والعقاب وعن عكرمة لما خروا سجدا أراهم الله تعالى فى سجودهم منازلهم فى الجنة ولا ينافيه قولهم إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا الخ لأن كون تلك المنازل منازلهم* باعتبار صدور هذا القول عنهم (قالُوا) استئناف كما مر غير مرة (آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) تأخير موسى عند حكاية كلامهم لرعاية الفواصل وقد جوز أن يكون ترتيب كلامهم أيضا هكذا إما لكبر سن هرون عليه الصلاة والسلام وإما للمبالغة فى الاحتراز عن التوهم الباطل من جهة فرعون وقومه حيث كان فرعون ربى موسى عليه الصلاة والسلام فلو قدموا موسى عليه الصلاة والسلام لربما توهم اللعين وقومه من أول الأمر