(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (٧١) قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) (٧٢)
____________________________________
أن مرادهم فرعون (قالَ) أى فرعون للسحرة (آمَنْتُمْ لَهُ) أى لموسى عليه الصلاة والسلام واللام لتضمين الفعل معنى الاتباع وقرىء على الاستفهام التوبيخى (قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) أى من غير أن آذن لكم فى الإيمان له* كما فى قوله تعالى (لَنَفِدَ) (الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي) لا أن إذنه لهم فى ذلك واقع بعده أو متوقع (إِنَّهُ) يعنى* موسى عليه الصلاة والسلام (لَكَبِيرُكُمُ) أى فى فنكم وأعلمكم به وأستاذكم (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) فتواطأتم* على ما فعلتم أو فعلمكم شيئا دون شىء فلذلك غلبكم وهذه شهة زورها اللعين وألقاها على قومه وأراهم أن أمر الإيمان منوط بإذنه فلما كان إيمانهم بغير إذنه لم يكن معتدا به وأنهم من تلامذته عليه الصلاة والسلام فلا عبرة بما أظهره كما لا عبرة بما أظهروه وذلك لما اعتراه من الخوف من اقتداء الناس بالسحرة فى الإيمان بالله تعالى ثم أقبل عليهم بالوعيد المؤكد حيث قال (فَلَأُقَطِّعَنَّ) أى فو الله لأقطعن (أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ) أى اليد اليمنى والرجل اليسرى ومن ابتدائية كأن القطع ابتداء من مخالفة العضو العضو فإن المبتدىء من المعروض مبتدىء من العارض أيضا وهى مع مجرورها فى حين النصب على الحالية أى لأقطعنها مختلفات وتعيين تلك الحال للإيذان بتحقيق الأمر وإيقاعه لا محالة بتعيين كيفيته المعهودة فى باب السياسة لا لأنها أفظع من غيرها (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أى عليها وإيثار كلمة فى للدلالة على إبقائهم عليها زمانا مديدا* تشبيها لاستمرارهم عليها باستقرار المظروف فى الظرف المشتمل عليه قالوا وهو أول من صلب وصيغة التفعيل فى الفعلين للتكثير وقد قرئا بالتخفيف (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا) يريد به نفسه وموسى عليه الصلاة والسلام* لقوله آمنتم له قبل أن آذن لكم واللام مع الإيمان فى كتاب الله تعالى لغيره تعالى وهذا إما لقصد توضيع موسى عليه الصلاة والسلام والهزء به لأنه لم يكن من التعذيب فى شىء وإما لإراءة أن إيمانهم لم يكن عن مشاهدة المعجزة ومعاينة البرهان بل كان عن خوف من قبل موسى عليه الصلاة والسلام حيث رأوا ابتلاع عصاه لحبالهم وعصيهم فخافوا على أنفسهم أيضا وقيل يريد به رب موسى الذى آمنوا به بقولهم آمنا برب هرون وموسى (أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) أى أدوم (قالُوا) غير مكترثين بوعيده (لَنْ نُؤْثِرَكَ) لن نختارك بالإيمان والاتباع (عَلى ما جاءَنا) من الله على يد موسى عليه الصلاة والسلام (مِنَ الْبَيِّناتِ) من المعجزات* الظاهرة فإن ما ظهر بيده عليه الصلاة والسلام من العصا كان مشتملا على معجزات جمة كما مر تحقيقه فيما سلف فإنهم كانوا عارفين بجلائلها ودقائقها (وَالَّذِي فَطَرَنا) أى خلقنا وسائر المخلوقات وهو عطف على ما جاءنا* وتأخيره لأن ما فى ضمنه آية عقلية نظرية وما شاهدوه آية حسية ظاهرة وإيراده تعالى بعنوان فاطريته تعالى لهم للإشعار بعلة الحكم فإن خالقيته تعالى لهم وكون فرعون من جملة مخلوقاته مما يوجب عدم إيثارهم له عليه