(فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى (٧٩) يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) (٨٠)
____________________________________
ما كانوا عليه من الخوف العظيم حيث قالوا إنا لمدركون (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ) أى تبعهم ومعه جنوده حتى لحقوهم يقال أتبعتهم أى تبعتهم وذلك إذا كانوا سبقوك فلحقتهم ويؤيده أنه قرىء فاتبعهم من الافتعال وقيل المعنى أتبعهم فرعون نفسه فحذف المفعول الثانى وقيل الباء زائدة والمعنى فأتبعهم فرعون جنوده أى سافهم خلفهم وأيا ما كان فالفاء فصيحة معربة عن مضمر قد طوى ذكره ثقة بغاية ظهوره وإيذانا بكمال مسارعة موسى عليه الصلاة والسلام إلى الامتثال بالأمر أى ففعل ما أمر به من الإسراء بهم وضرب الطريق وسلوكه فأتبعهم فرعون بجنوده برا وبحرا روى أن موسى عليه الصلاة والسلام خرج بهم أول الليل وكانوا ستمائة وسبعين ألفا فأخبر فرعون بذلك فأتبعهم بعساكره وكانت مقدمته سبعمائة ألف فقص أثرهم فلحقهم بحيث تراءى الجمعان فعند ذلك ضرب عليه الصلاة والسلام بعصاه البحر فانفلق على اثنى عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم فعبر موسى عليه الصلاة والسلام بمن معه من الأسباط سالمين* وتبعهم فرعون بجنوده (فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ) أى علاهم منه وغمرهم ما غمرهم من الأمر الهائل الذى لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه وقيل غشيهم ما سمعت قصته وليس بذاك فإن مدار التهويل والتفخيم خروجه عن حدود الفهم والوصف لا سماع قصته وقرىء فغشاهم من اليم ما غشاهم أى غطاهم ما غطاهم والفاعل هو الله عز وعلا أو ما غشاهم وقيل فرعون لأنه الذى ورطهم للهلكة ويأباه الإظهار فى قوله تعالى (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ) أى سلك بهم مسلكا أداهم إلى الخيبة والخسران فى الدين والدنيا معا حيث ماتوا على* الكفر بالعذاب الهائل الدنيوى المتصل بالعذاب الخالد الأخروى وقوله تعالى (وَما هَدى) أى ما أرشدهم قط إلى طريق موصل إلى مطلب من المطالب الدينية والدنيوية تقرير لإضلاله وتأكيد له إذ رب مضل قد يرشد من يضله إلى بعض مطالبه وفيه نوع تهكم به فى قوله وما أهديكم إلا سبيل الرشاد فإن نفى الهداية عن شخص مشعر بكونه ممن يتصور منه الهداية فى الجملة وذلك إنما يتصور فى حقه بطريق التهكم وحمل الإضلال والهداية على ما يختص بالدينى منهما يأباه مقام بيان سوقه بجنوده إلى مساق الهلاك الدنيوى وجعلهما عبارة عن الإضلال فى البحر والإنجاء منه مما لا يقبله العقل السليم (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) حكاية لما خاطبهم الله تعالى بعد إغراق فرعون وقومه وإنجائهم منهم لكن لا عقيب ذلك بل بعد ما أفاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية ما أفاض وقيل هو إنشاء خطاب الذين كانوا منهم فى عهد النبى صلىاللهعليهوسلم على معنى أنه تعالى قد من عليهم بما فعل بآبائهم أصالة وبهم تبعا ويرده ما سيأتى من قوله تعالى (وَما أَعْجَلَكَ) الآية ضرورة استحالة حمله على الإنشاء فالوجه