(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى (٨١) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى (٨٢) وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) (٨٣)
____________________________________
هو الحكاية بتقدير قلنا عطفا على أوحينا أى وقلنا يا بنى إسرائيل (قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ) فرعون وقومه* حيث كانوا يبغونكم الغوائل ويسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وقرىء نجيناكم ونجيتكم (وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ) بالنصب على أنه صفة للمضاف وقرىء بالجر للجوار أى واعدناكم* بواسطة نبيكم إتيان جانبه الأيمن نظرا إلى السالك من مصر إلى الشام أى إتيان موسى عليه الصلاة والسلام للمناجاة وإنزال التوراة عليه ونسبت المواعدة إليهم مع كونها لموسى عليه الصلاة والسلام نظرا إلى ملابستها إياهم وسراية منفعتها إليهم وإيفاء لمقام الامتنان حقه كما فى قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) حيث نسب الخلق والتصوير إلى المخاطبين مع أن المخلوق المصور بالذات هو آدم عليه الصلاة والسلام وقرىء واعدتكم ووعدناكم (وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) أى الترنجبين والسمانى حيث كان ينزل عليهم المن وهم* فى التيه مثل الثلج من الفجر إلى الطلوع لكل إنسان صاع ويبعب الجنوب عليهم السماء فيذبح الرجل منه ما يكفيه كما مر مرارا (كُلُوا) جملة مستأنفة مسوقة لبيان إباحة ما ذكر لهم وإتماما للنعمة عليهم (مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أى من لذائذه أو حلالاته وقرىء رزقتكم وفى البدء بنعمة الإنجاء ثم بالنعمة الدينية ثم بالنعمة الدنيوية من حسن النظم ولطف الترتيب مالا يخفى (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) أى فيما رزقناكم بالإخلال بشكره والتعدى لما حد لكم فيه كالسرف والبطر والمنع من المستحق (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) جواب للنهى أى فتلزمكم عقوبتى وتجب لكم من حل الدين إذا وجب أداؤه (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) أى تردى وهلك وقيل وقع فى الهاوية وقرىء فيحل بضم الحاء من حل يحل إذا نزل (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) من الشرك والمعاصى التى من جملتها الطغيان فيما ذكر (وَآمَنَ) بما يجب الإيمان به (وَعَمِلَ صالِحاً) أى عمل صالحا مستقيما عند الشرع والعقل وفيه ترغيب لمن وقع منه الطغيان فيما ذكر وحث على التوبة والإيمان وقوله تعالى (ثُمَّ اهْتَدى) أى استقام على الهدى إشارة إلى أن من لم يستمر عليه بمعزل من الغفران وثم للتراخى الرتبى (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) حكاية لما جرى بينه تعالى وبين موسى عليه الصلاة والسلام من الكلام عند ابتداء موافاته الميقات بموجب المواعدة المذكورة أى وقلنا له أى شىء أعجلك منفردا عن قومك وهذا كما ترى سؤال عن سبب تقدمه على النقباء مسوق لإنكار انفراده عنهم لما فى ذلك بحسب الظاهر من مخايل إغفالهم وعدم الاعتداد بهم مع كونه مأمورا باستصحابهم وإحضارهم معه لا لإنكار نفس العجلة الصادرة عنه عليه الصلاة والسلام لكونها نقيصة منافية للحزم اللائق بأولى العزم ولذلك أجاب عليه