(قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى (٨٤) قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ (٨٥) فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) (٨٦)
____________________________________
الصلاة والسلام بنفى الانفراد المنافى للاستصحاب والمعية حيث (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) يعنى أنهم معى وإنما سبقتهم بخطا يسيرة ظننت أنها لا تخل بالمعية ولا تقدح فى الاستصحاب فإن ذلك مما لا يعتد به فيما بين الرفقة أصلا وبعد ما ذكر عليه الصلاة والسلام أن تقدمه ذلك ليس لأمر منكر ذكر أنه لأمر مرضى حيث قال (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) عنى بمسارعتى إلى الامتثال بأمرك واعتنائى بالوفاء بعهدك وزيادة رب لمزيد الضراعة والابتهال رغبة فى قبول العذر (قالَ) استئناف مبنى على سؤال نشأ من حكاية اعتذاره عليه الصلاة والسلام وهو السر فى وروده على صيغة الغائب لا أنه التفات من التكلم إلى الغيبة لما أن المقدر فيما سبق من الموضعين على صيغة التكلم كأنه قيل من جهة السامعين فماذا قال له ربه حينئذ* فقيل قال (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) أى ابتليناهم بعبادة العجل من بعد ذهابك من بينهم وهم الذين خلفهم مع هارون عليه الصلاة والسلام وكانوا ستمائة ألف ما نجا منهم من عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا والفاء لترتيب الإخبار بما ذكر من الابتلاء على إخبار موسى عليه الصلاة والسلام بعجلته لكن لا لأن الإخبار بها سبب موجب للإخبار به بل لما بينهما من المناسبة المصححة للانتقال من أحدهما إلى الآخر من حيث إن مدار الابتلاء المذكور عجلة القوم فإنه روى أنهم أقاموا على ما وصى به موسى عليه الصلاة والسلام عشرين ليلة بعد ذهابه فحسبوها مع أيامها أربعين وقالوا قد أكملنا العدة وليس من موسى عليه* الصلاة والسلام عين ولا أثر (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ) حيث كان هو المدبر فى الفتنة فقال لهم إنما أخلف موسى عليه الصلاة والسلام ميعادكم لما معكم من حلى القوم وهو حرام عليكم فكان من أمر العجل ما كان فأخبره تعالى بوقوع هذه الفتنة عند قدومه عليه الصلاة والسلام إما باعتبار تحققها فى علمه تعالى ومشيئته وإما بطريق التعبير عن المتوقع بالواقع كما فى قوله تعالى (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) ونظائره أو لأن السامرى كان قد عزم على إيقاع الفتنة عند ذهاب موسى عليه الصلاة والسلام وتصدى لترتيب مبانيها وتمهيد مباديها فكانت الفتنة واقعة عند الإخبار بها وقرىء وأضلهم السامرى على صيغة التفضيل أى أشدهم ضلالا لأنه ضال ومضل والسامرى منسوب إلى قبيلة من بنى إسرائيل يقال لها السامرة وقيل كان علجا من كرمان وقيل من أهل باجرما واسمه موسى بن ظفر وكان منافقا قد أظهر الإسلام وكان من قوم يعبدون البقر (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ) عند رجوعه المعهود أى بعد ما استوفى الأربعين وأخذ التوراة لا عقيب الإخبار بالفتنة فسببية ما قبل الفاء لما بعدها إنما هى باعتبار قيد الرجوع المستفاد من قوله تعالى