(تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥)
____________________________________
الغير وقد عرفت ما بين الشقاء والتذكرة من التنافى ولا يجدى أن يراد به التعب فى الجملة المجامع للتذكرة لظهور أن لا ملابسة بينهما بما ذكر من السببية والمسببية وإنما يتصور ذلك أن لو قيل مكان إلا تذكرة إلا تكثيرا لثوابك فإن الأجر بقدر التعب ولا من حيث إنه بدل من محل لتشقى كما فى قوله تعالى (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ) لوجوب المجانسة بين البدلين وقد عرفت حالهما بل من حيث إنه معطوف عليه بحسب المعنى بعد نفيه بطريق الاستدارك المستفاد من الاستثناء المنقطع كأنه قيل ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب فى تبليغه* ولكن تذكرة (لِمَنْ يَخْشى) وقد جرد التذكرة عن اللام لكونها فعلا لفاعل الفعل المعلل أى لمن من شأنه أن يخشى الله عز وعلا ويتأثر بالإنذار لرقة قلبه ولين عريكته أو لمن علم الله تعالى أنه يخشى بالتخويف ٤ وتخصيصها بهم مع عموم التذكرة والتبليغ لأنهم المنتفعون بها وقوله تعالى (تَنْزِيلاً) مصدر مؤكد لمضمر مستأنف مقرر لما قبله أى نزل تنزيلا أو لما تفيده الجملة الاستثنائية فإنها متضمنة لأن يقال أنزلناه للتذكرة والأول هو الأنسب بما بعده من الالتفات أو منصوب على المدح والاختصاص وقيل هو منصوب بيخشى على المفعولية أى يخشى تنزيلا من الله تعالى وأنت خبير بأن تعليق الخشية والخوف ونظائرهما بمطلق التنزيل غير معهود نعم قد يعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونظائره كما فى قوله تعالى (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ) وقيل هو بدل من تذكرة لكن لا على أنه مفعول له لأنزلنا إذ لا يعلل الشىء بنفسه ولا بنوعه بل على أنه مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال من الكاف فى عليك أو من القرآن ولا مساغ له إلا بأن يكون قيدا لأنزلنا بعد تقييده بالقيد الأول وقد عرفت حاله فيما سلف وقرىء تنزيل* على أنه خبر لمبتدأ محذوف ومن فى قوله تعالى (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى) متعلقة بتنزيلا أو بمضمر هو صفة له مؤكدة لما فى تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية ونسبة التنزيل إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغيبة بعد نسبته إلى نون العظمة لبيان فخامته تعالى بحسب الأفعال والصفات إثر بيانها بحسب الذات بطريق الإبهام ثم التفسير لزيادة تحقيق وتقرير وتخصيص خلقهما بالذكر مع أن المراد خلقهما بجميع ما يتعلق بهما كما يفصح عنه قوله تعالى (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) الآية لإصالتهما واستتباعهما لما عداهما وتقديم الأرض لكونه أقرب إلى الحس وأظهر عنده ووصف السموات بالعلا وهو جمع العليا تأنيث الأعلى لتأكيد الفخامة مع ما فيه من مراعاة الفواصل وكل ذلك إلى قوله تعالى (لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) مسوق لتعظيم شأن المنزل عزوجل المستتبع لتعظيم شأن المنزل الداعى إلى تربية المهابة وإدخال الروعة المؤدية إلى استنزال المتمردين عن رتبة العتو والطغيان واستمالهم نحو الخشية المفضية إلى التذكرة والإيمان (الرَّحْمنُ) رفع على المدح أى هو الرحمن وقد عرفت فى صدر سورة البقرة أن المرفوع مدحا فى حكم الصفة الجارية على ما قبله وإن لم يكن تابعا له فى الاعراب ولذلك التزموا حذف المبتدأ ليكون فى صورة متعلق من