مبادى البقاء فيها والجد فى الانتهاء عما يؤدى إلى الخروج عنها والعدول عن التصريح بأن له عليهالسلام فيها تنعما بفنون النعم من المآكل والمشارب وتمتعا بأصناف الملابس البهية والمساكن المرضية مع أن فيه من الترغيب فى البقاء فيها مالا يخفى إلى ما ذكر من نفى نقائضها التى هى الجوع والعطش والعرى والضحى لتذكير تلك الأمور المنكرة والتنبيه على ما فيها من أنواع الشقوة التى حذره عنها ليبالغ فى التحامى عن السبب المؤدى إليها على أن الترغيب قد حصل بما سوغ له من التمتع بجميع ما فيها سوى ما استثنى من الشجرة حسبما نطق به قوله تعالى (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما) وقد طوى ذكره ههنا اكتفاء بما ذكر فى موضع آخر واقتصر على ما ذكر من الترغيب المتضمن للترهيب ومعنى أن لا تجوع فيها الخ أن لا يصيبه شىء من الأمور الأربعة أصلا فإن الشبع والرى والكسوة والكن قد تحصل بعد عروض أضدادها بإعواز الطعام والشراب واللباس والمسكن وليس الأمر فيها كذلك بل كل ما وقع فيها شهوة وميل إلى شىء من الأمور المذكورة تمتع به من غير أن يصل إلى حد الضرورة ووجه إفراده عليهالسلام بما ذكر ما مر آنفا وفصل الظمأ عن الجوع فى الذكر مع تجانسهما وتقارنهما فى الذكر عادة وكذا حال العرى والضحو المتجانسين لتوفية مقام الامتنان حقه بالإشارة إلى أن نفى كل واحد من تلك الأمور نعمة على حيالها ولو جمع بين الجوع والظمأ لربما توهم أن نفيهما نعمة واحدة وكذا الحال فى الجمع بين العرى والضحو على منهاج قصة البقرة ولزيادة التقرير بالتنبيه على أن نفى كل واحد من الأمور المذكورة مقصودة بالذات مذكور بالإصالة لا أن نفى بعضها مذكور بطريق الاستطراد والتبعية لنفى بعض آخر كما عسى يتوهم لو جمع بين كل من المتجانسين وقرىء إنك بالكسر والجمهور على الفتح بالعطف على أن لا تجوع وصحة وقوع الجملة المصدرة بأن المفتوحة اسما للمكسورة المشاركة لها فى إفادة التحقيق مع امتناع وقوعها خبرا لها لما أن المحذور اجتماع حرفى التحقيق فى مادة واحدة لا اجتماع فيما نحن فيه لاختلاف مناط التحقيق فيما فى حين هما بخلاف ما لو وقعت خبرا لها فإن اتحاد المناط حينئذ مما لا ريب فيه بيانه أن كل واحدة من المكسورة والمفتوحة موضوعة لتحقيق مضمون الجملة الخبرية المنعقدة من اسمها وخبرها ولا يخفى أن مرجع خبريتها ما فيها من الحكم الإيجابى أو السلبى وأن مناط ذلك الحكم خبرها لا اسمها فمدلول كل منهما تحقيق ثبوت خبرها لاسمها لا ثبوت اسمها فى نفسه فاللازم من وقوع الجملة المصدرة بالمفتوحة اسما للمكسورة تحقيق ثبوت خبرها لتلك الجملة المؤولة بالمصدر وأما تحقيق ثبوتها فى نفسها فهو مدلول المفتوحة حتما فلم يلزم اجتماع حرفى التحقيق فى مادة واحدة قطعا وإنما لم يجوزوا أن يقال إن أن زيدا قائم حق مع اختلاف المناط بل شرطوا الفصل بالخبر كقولنا إن عندى أن زيدا قائم للتجافى عن صورة الاجتماع والواو العاطفة وإن كانت نائبة عن المكسورة التى يمتنع دخولها على المفتوحة بلا فصل وقائمة مقامها فى إفضاء معناها وإجراء أحكامها على مدخولها لكنها حيث لم تكن حرفا موضوعا للتحقيق لم يلزم من دخولها على المفتوحة اجتماع حرفى التحقيق أصلا فالمعنى إن لك عدم الجوع وعدم العرى وعدم الظمأ خلا أنه لم يقتصر على بيان أن الثابت له عليهالسلام عدم الظمأ والضحو مطلقا كما فعل مثله فى المعطوف عليه بل قصد بيان أن الثابت له عليهالسلام تحقيق عدمهما فوضع موضع الحرف المصدرى