(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى (١١٦) فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى (١١٧) إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى (١١٨) وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) (١١٩)
____________________________________
تصميم رأى وثبات قدم فى الأمور إذ لو كان كذلك لما أزله الشيطان ولما استطاع أن يغره وقد كان ذلك منه عليهالسلام فى بدء أمره من قبل أن يجرب الأمور ويتولى حارها وقارها ويذوق شريها وأريها عن النبى صلىاللهعليهوسلم لو وزنت أحلام بنى آدم بحلم آدم لرجح حلمه وقد قال الله تعالى ولم نجد له عزما وقيل عزما على الذنب فإنه أخطأ ولم يتعمد وقوله تعالى (وَلَمْ نَجِدْ) إن كان من الوجود العلمى فله عزما مفعولاه قدم الثانى على الأول لكونه ظرفا وإن كان من الوجود المقابل للعدم وهو الأنسب لأن مصب الفائدة هو المفعول وليس فى الإخبار بكون العزم المعدوم له مزيد مزية فله متعلق به قدم على مفعوله لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر أو بمحذوف هو حال من مفعوله المنكر كأنه قيل ولم نصادف له عزما وقوله تعالى (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) شروع فى بيان المعهود وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه وإذ منصوب على المفعولية بمضمر خوطب به النبى صلىاللهعليهوسلم أى واذكر وقت قولنا لهم وتعليق الذكر بالوقت مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث لما مر مرارا من المبالغة فى إيجاب ذكرها فإن الوقت مشتمل على تفاصيل الأمور الواقعة فيه فالأمر بذكره أمر بذكر تفاصيل ما وقع فيه بالطريق البرهانى ولأن الوقت مشتمل على أعيان الحوادث فإذا ذكر صارت الحوادث كأنها موجودة فى ذهن المخاطب بوجوداتها العينية أى اذكر ما وقع فى ذلك الوقت منا ومنه حتى يتبين لك نسيانه وفقدان عزمه (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) قد سبق الكلام فيه مرارا (أَبى) جملة مستأنفة وقعت جوابا عن سؤال نشأ عن الإخبار بعدم سجوده كأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل أبى واستكبر ومفعول أبى إما محذوف أى أبى السجود كما قوله تعالى (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) أو غير منوى رأسا بتنزيله منزلة اللازم أى فعل الإباء وأظهره (فَقُلْنا) عقيب ذلك اعتناء بنصحه (يا آدَمُ إِنَّ هذا) الذى رأيت ما فعل (عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما) أى لا يكونن سببا لإخراجكما (مِنَ الْجَنَّةِ) والمراد نهيهما عن أن يكونا بحيث يتسبب الشيطان إلى إخراجهما منها بالطريق البرهانى كما فى قولك لا أرينك ههنا والفاء لترتيب موجب النهى على عداوته لهما أو على الإخبار بها (فَتَشْقى) جواب للنهى وإسناد الشقاء إليه خاصة بعد تعليق الإخراج الموجب له بهما معا لأصالته فى الأمور واستلزام شقائه لشقائها مع ما فيه من مراعاة الفواصل وقيل المراد بالشقاء التعب فى تحصيل مبادى المعاش وذلك من وظائف الرجال (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى) (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) تعليل لما يوجبه النهى فإن اجتماع أسباب الراحة فيها مما يوجب المبالغة فى الاهتمام بتحصيل