(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٧)
____________________________________
الضمنى بالإيمان كما أشير إليه وبيان أنهم فى اقتراح تلك الآيات كالباحث عن حتفه بظلفه وأن فى ترك الإجابة إليه إبقاء عليهم كيف لا ولو أعطوا ما اقترحوا مع عدم إيمانهم قطعا لوجب استئصالهم لجريان سنة الله عزوجل فى الأمم السالفة على أن المقترحين إذا أعطوا ما اقترحوه ثم لم يؤمنوا نزل بهم عذاب الاستئصال لا محالة وقد سبقت كلمة الحق منه تعالى أن هذه الأمة لا يعذبون بعذاب الاستئصال فقوله* من قرية أى من أهل قرية فى محل الرفع على الفاعلية ومن مزيدة لتأكيد العموم وقوله تعالى (أَهْلَكْناها) * أى بإهلاك أهلها لعدم إيمانهم بعد مجىء ما اقترحوه من الآيات صفة لقرية والهمزة فى قوله تعالى (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) لإنكار الوقوع والفاء للعطف إما على مقدر دخلته الهمزة فأفادت إنكار وقوع إيمانهم ونفيه عقيب عدم إيمان الأولين فالمعنى أنه لم تؤمن أمة من الأمم المهلكة عند إعطاء ما اقترحوه من الآيات أهم لم يؤمنوا فهؤلاء يؤمنون لو أجيبوا إلى ما سألوا وأعطوا ما اقترحوا مع كونهم أعتى منهم وأطغى وإما على ما آمنت على أن الفاء متقدمة على الهمزة فى الاعتبار مفيدة لترتيب إنكار وقوع إيمانهم على عدم إيمان الأولين وإنما قدمت عليها الهمزة لاقتضائها الصدارة كما هو رأى الجمهور وقوله عزوجل (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) جواب لقولهم هل هذا إلا بشر الخ متضمن لرد ما دسوا تحت قولهم كما أرسل الأولون من التعرض بعدم كونه عليهالسلام مثل أولئك الرسل صلوات الله تعالى عليهم أجمعين ولذلك قدم عليه جواب قولهم فليأتنا بآية ولأنهم قالوا ذلك بطريق التعجيز فلا بد من المسارعة إلى رده وإبطاله كما مر فى تفسير قوله تعالى (قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) وقوله تعالى (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) ولأن فى هذا الجواب نوع بسط يخل تقديمه بتجاوب أطراف النظم الكريم والحق أن ما اتخذوه سببا للتكذيب موجب للتصديق فى الحقيقة لأن مقتضى الحكمة أن يرسل إلى البشر البشر وإلى الملك الملك حسبما ينطق به قوله تعالى (قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) فإن عامة البشر بمعزل من استحقاق المفاوضة الملكية لتوقفها على التناسب بين المفيض والمستفيض فبعث الملك إليهم مزاحم للحكمة التى عليها يدور فلك التكوين والتشريع وإنما الذى تقتضيه الحكمة أن يبعث الملك منهم إلى الخواص المختصين بالنفوس الزكية المؤيدين بالقوة القدسية المتعلقين* بكلا العالمين الروحانى والجسمانى ليتلقوا من جانب ويلقوا إلى جانب آخر وقوله تعالى (نُوحِي إِلَيْهِمْ) استئناف مبين لكيفية الإرسال وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية المستمرة وحذف المفعول لعدم القصد إلى خصوصه والمعنى وما أرسلنا إلى الأمم قبل إرسالك إلى أمتك إلا رجالا مخصوصين من أفراد الجنس مستأهلين للاصطفاء والإرسال نوحى إليهم بواسطة الملك ما نوحى من الشرائع والأحكام وغيرهما من القصص والأخبار كما نوحى إليك من غير فرق بينهما فى حقيقة الوحى وحقية مدلوله حسبما يحكيه قوله تعالى (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ) إلى قوله تعالى (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) كما لا فرق بينك وبينهم فى البشرية فما لهم لا يفهمون أنك لست بدعا من الرسل وأن ما أوحى إليك ليس مخالفا لما أوحى إليهم