وأما الأمر الثالث :
هو تقريرها تركهم كتاب الله ، فهو ظاهر في كلام الزهراء عليهاالسلام ، لأن كلمة «ورث» التي وردت في عدة آيات دالة على المال لغة وعرفا ، إن لم تقيد بقيد خارجي ، لكنهم صرفوا الإرث إلى وراثة الحكمة والنبوة دون الأموال في مسألة إرث الرسول وقضية الزهراء ، تقديما للمجاز على الحقيقة بلا قرينة صارفة! لأن جملة (وإني خفت الموالي) (١) يعني به وراثة المال لا العلم والحكمة ، لكون الأخيرين لا يأتيان بالوراثة ، فهما عطاء من الله ، يمن به أو يمنع ، وإن زكريا كان يخاف من الموالي ـ وهم بنو العمومة ومن يحذو حذوهم ـ فقوله : (وليا) يعني ولدا يكون أولى بميراثي.
وعليه : فحمل الآية على العلم والنبوة خلاف الظاهر ، لأن النبوة والعلم لا يورثان ، بل النبوة تابعة للمصلحة العامة ومقدرة لأهلها من الأزل عند بارئها .. (الله أعلم حيث يجعل رسالته) (٢) ، فلا مدخل للنسب فيها ، كما أنه لا أثر للدعاء والمسألة في اختيار الله أحدا من عباده نبيا.
على أن زكريا إنما سأل الله وليا من ولده يحجب مواليه ـ كما هو صريح الآية ـ من بني عمه وعصبته من الميراث ، وذلك لا يليق إلا بالمال ، ولا معنى لحجب الموالي عن النبوة والعلم.
ثم إن اشتراطه في وليه الوارث كونه رضيا بقوله : (واجعله رب
__________________
(١) سورة مريم ١٩ : ٥.
(٢) سورة الأنعام ٦ : ١٢٤.