وقد نجد لهذا الكلام ما يؤيده ، فقد ذكر ابن حزم أن من طوائف الغلاة : الخوارج الذين غلو فقالوا : إن الصلاة ركعة واحدة بالغداة وركعة بالعشي فقط ، وكذلك عد من الغلاة من قال بنكاح المحارم ، أو من قال : إن سورة يوسف ليس من القرآن الكريم وكذلك من ذهب من طوائف المعتزلة إلى القول بتناسخ الأرواح ، أو من حكم بحلية شحم الخنزير ودماغه ، أو من قال : بأن من عرف الله حق معرفته سقطت عنه الأعمال والشرائع (١).
وقال الشهرستاني في الملل والنحل : «والغلاة هم الذين غلو في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخلقية وحكموا فيهم بأحكام الإلهية ، فربما شبهوا واحدا من الأئمة بالآلهة ، وربما شبهوا الإله بالخلق» (٢).
فانظر كيف عد تشبيه الخالق سبحانه بالمخلوق من الغلو ، ولم يحصره بتأليه المخلوق ، وعلى هذا فالغلاة لا حصر لهم بفئة أو طائفة معينة كما يحب إشاعته من لم يع حقيقة الغلو ولم يفهم معناه ، وإنما هم في الواقع ـ كما يقول الشيخ المفيد ـ : «قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم» (٣).
ومن جملة ما تقدم يعلم بأن للغلو مصاديق جمة في الفكر والعقيدة ، ولا زال معظمها قائما إلى اليوم ، فالجبر ، والتشبيه والتجسيم ، والرؤية والحلول والنزول والاستواء كلها من الغلو ، لأنها من الاعتقادات التي تجاوزت الحد وخرجت عن القصد ، ونظيرها القول بعدالة الصحابة ، بل
__________________
(١) الفصل في الملل والأهواء والنحل ـ لابن حزم الأندلسي ـ ٢ / ٢٤٦.
(٢) الملل والنحل ـ للشهرستاني ـ ١ / ٢٨٨.
(٣) تصحيح الاعتقاد ـ للمفيد ـ : ٢٤٠.