فهذه السورة بآياتها هذه هي أيضا تشترط في معنى الصدق : الإيمان ، مع الاستقامة عليه بعدم الارتياب ، والمجاهدة في سبيل الله ، مع أنه قد روى أكثر المفسرين والمؤرخين أن بعض من يعد ويحسب من خاصة الصحابة قد ارتاب في نبوة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحقانية الدين في صلح الحديبية واعتراضه على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم!
وبعدما تحصل لدينا معنى الصدق والصادقين من العديد من السور ، يتبين بوضوح لا ريب فيه أن المقصود من قوله تعالى في الآية الأولى من الآيات الثلاث المتقدمة من سورة الحشر ، وهي : (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) (١) ليس هو كل مكي أسلم وانتقل إلى المدينة وصحب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل خصوص من توافرت فيه القيود العديدة المذكورة في الآية ، والتي منها الصدق ، والذي بينت السور العديدة الأخرى عدم توافره في جميع الصحابة ، بل توافر في فئة منهم دون غيرها من الفئات ، وأنهم ضرب من الجماعات.
وكيف يحتمل وصف الآية كل مكي ونحوه أسلم وانتقل إلى المدينة أنه صادق ، وقد صدر من العديد منهم مخالفات ، كالفرار من الزحف الذي هو من الكبائر؟!
هذا ، وقد فر كل الصحابة يوم حنين إلا ثلة من بني هاشم كما في قوله تعالى : (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم
__________________
(١) سورة الحشر ٥٩ : ٨.