المقام الأوّل في معنىٰ الآية (١)
فأقول :
ظاهر الآية أنّها إنّما جاءت علىٰ سبيل التمثيل والتصوير ، فمعناها ـ والله تعالىٰ أعلم .
( وَ ) ٱذكر يا محمّد للناس ما قد واثقوا الله عليه بلسان حالهم التكوينيّ ، من الإيمان به والشهادة له بالربوبية ، وذلك ( إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) أي حيث أخذ ربّك جلّ سلطانه ( مِن بَنِي آدَمَ ) أي ( مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، فأخرجها من أصلاب آبائهم نطفاً ، فجعلها في قرار مكين من أرحام أُمّهاتهم ، ثمّ جعل النطف علقاً ، ثمّ مُضَغاً ، ثمّ عظاماً ، ثمّ كسا العظام لحماً ، ثمّ أنشأ كلّاً منهم خلقاً سويّاً (٢) ، قويّاً ، في أحسن تقويم (٣) ،
__________________
(١) إنّ هذه الآية المباركة من أعجب الآيات نظماً وأوضحها وأدقّها دلالة علىٰ الميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالىٰ من بني آدم علىٰ ربوبيّته ، ويستفاد من سياق الآية والآيات التي بعدها أنّ الله تعالىٰ قطع عذر العباد بإقامته الحجّة عليهم ، إذ لولا هذا الأخذ والإشهاد علىٰ ربوبيته تعالىٰ ، ونبوّة النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهمالسلام ، لكان للعباد أن يحتجّوا علىٰ الله يوم القيامة بحجّة يدفعون بها عن أنفسهم العذاب لعدم إيمانهم أو شركهم به سبحانه ، ولعدم إيمانهم بالنبوّة والإمامة .
(٢) إشارة إلىٰ قوله تعالىٰ : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) سورة المؤمنون ٢٣ : ١٢ ـ ١٤ .
(٣) إشارة إلىٰ قوله سبحانه تعالى : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) سورة التين ٩٥ : ٤ .