سميعاً بصيراً (١) ، ناطقاً ، عاقلاً ، مفكّراً ، مدبّراً ، عالماً ، عاملاً ، كاملاً ، ذا حواسَّ ومشاعرَ وأعضاء أدهشت الحكماء ، وذا مواهب عظيمة ، وبصائر نيّرة تميّز بين الصحيح والفاسد ، والحسن والقبيح ، وتفرّقُ بين الحقّ والباطل ، فيدرك بها آلاء الله في ملكوته ، وآيات صنعه جلّ وعلا في خلق السماوات والأرض ، وٱختلاف الليل والنهار ، وفي نُظُمه المستقيمة جارية في سمائه وأرضه علىٰ مناهجه الحكيمة .
وبذلك وجب أن يكونوا علىٰ بيّنة قاطعة بربوبيّته ، مانعة عن الجحود بوحدانيّته .
فكأنّه تبارك وتعالىٰ إذ خلقهم علىٰ هذه الكيفية قرّرهم ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ) فقال لهم : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) ؟ ! (٢) .
وكأنّهم ( قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ) علىٰ أنفسنا لك بالربوبية ، وبخعنا لعزّتك وجلالك بالعبودية ، نزولاً علىٰ ما قد حكمتْ به عقولنا ، وجزمتْ به
__________________
(١) إشارة إلىٰ قوله تعالىٰ : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ) سورة الإنسان ٧٦ : ٢ .
(٢) نقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ١٢ / ١٠٠ عن أبي سعيد الخدري ، قال : « حججنا مع عمر أوّل حجّة حجّها في خلافته ، فلمّا دخل المسجد الحرام ، دنا من الحجر الأسود فقبّله وٱستلمه ، وقال : إنّي لأعلم أنّك حجَر لا تضرّ ولا تنفع ، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبّلك وٱستلمك لَما قبّلتك ولا استلمتك .
فقال له عليٌّ عليهالسلام : بلى . . . إنّه ليضرُّ وينفع ، ولو علمتَ تأويل ذلك من كتاب الله لعلمتَ أنّ الذي أقول لك كما أقول ، قال الله تعالىٰ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ ) فلمّا أشهدهم وأقرّوا له أنّه الربّ عزّ وجلّ وأنّهم عبيد ، كتب ميثاقهم في رقٍّ ، ثمّ ألقمه هذا الحَجر ، وله لعينين ولساناً وشفتين ، تشهد لمن وافاه بالموافاة ، فهو أمين الله عزّ وجلّ في هذا المكان .
فقال عمر : لا أبقاني الله في أرض لست بها يا أبا حسن ! » .