من قائل : ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ) (١) الآية .
لأنّ عرضها علىٰ السماوات والأرض والجبال لم يكن علىٰ ظاهره ، وكذلك إباؤها وإشفاقها ، وما هو إلّا مجاز علىٰ سبيل التمثيل والتصوير تقريباً للأذهان ، وتعظيماً لأمر الأمانة ، وإكباراً لشأنها .
والأمانة هنا هي طاعة الله ورسوله في أوامرهما ونواهيهما ، كما يدلّ عليه سياق الآية وصحاح السُنّة في تفسيرها (٢) .
ولو أردنا استقصاء ما جاء في الذِكر الحكيم والفرقان العظيم من هذه الأمثلة ، لطال بنا البحث وخرجنا به عن القصد .
وحسبك توبيخه عزّ وجلّ لأهل الغفلة عن قوارع القرآن الحكيم ، المستخفّين بأوامره وزواجره ، إذ يقول وهو أصدق القائلين : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (٣) .
أمّا ما جاء في السُنّة من هذا القبيل فكثير إلىٰ الغاية ، وكثير لا يحصىٰ ، وحسبك منه الصحاح الصريحة ببكاء الأرض والسماء علىٰ سيّد الشهداء وخامس أصحاب الكساء . .
إذ بكته الشمس بحمرتها ، والآفاق بغبرتها ، وأظلّة العرش بإعوالها ، وطبقات الأرض بزلزالها ، والطير في أجوائها ، وحجارة بيت المقدس بدمائها ، وقارورة أُمّ سلمة بحصيّاتها ، وتلك الساعة بآياتها ؛ كما صرّحت به
__________________
(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٧٢ .
(٢) ٱنظر مثلاً : تفسير الطبري ١٠ / ٣٣٩ ح ٢٨٦٨٦ ، مجمع البيان ٨ / ١٦٢ .
(٣) سورة الحشر ٥٩ : ٢١ .