قال جرير (١) يرثي عمر بن عبد العزيز :
الشمسُ طالعةٌ ليست بكاسفةٍ |
|
تبكي عليك نجومَ الليل والقمرا |
أي إنّها مع طلوعها باكية ليست بكاسفة نجوم الليل والقمر ؛ لأنّ عظم مصيبتها بك قد سلبها نورها .
وبالجملة : فإنّ باب المجاز علىٰ سبيل التمثيل من أوسع أبواب البلاغة في لسان العرب ، كانوا يرصّعون به خطبهم وأشعارهم وحِكمهم وأمثالهم . .
فمن أمثالهم السائرة (٢) :
قال الجدار للوتد : لِمَ تشقّني ؟ !
قال الوتد : سَلِ الذي يدقّني !
. . إلىٰ كثير من أمثال هذا .
والقرآن إنّما نزل علىٰ لغتهم وفي أساليبهم ، وما تحدّىٰ العرب إلّا علىٰ طرائقهم وفي مجازاتهم وحقائقهم ، فبخعوا لآياته ، وعجزوا عن أن يأتوا بسورة من مثله (٣) .
فآية الميثاق والإشهاد علىٰ أنفسهم إنّما جاءت من هذا الباب ، كما
__________________
(١) ديوان جرير : ٢٣٥ .
وجرير بن عطية بن حذيفة بن بدر الخطفي الكلبي اليربوعي ، من تميم ( ٢٨ ـ ١١٠ هـ ) ، أشعر أهل عصره ، ولد ومات في اليمامة ، وعاش عمره كلّه يناضل شعراء زمنه ويساجلهم ، وكان هجّاءً مرّاً ، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل ، وهو من أغزل الناس شعراً .
ٱنظر : وفيات الأعيان ١ / ٣٢١ رقم ١٣٠ ، الأعلام ٢ / ١١٩ .
(٢)
(٣) إشارة إلىٰ قوله عزّ وجلّ : ( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) سورة البقرة ٢ : ٢٣ .