الحمل علىٰ ما ذكرتموه ، لكن من أنعم (١) النظر فيها ، فأعطىٰ التأمّل حقّه ، علم أنّ المأثور في تفسيرها عن أئمّة الهدىٰ من آل محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أليق بسياقها الأخير .
فإنّها لم تبقَ علىٰ السياق الأوّل ؛ لأن الله عزّ سلطانه بعد أن حرّم فيها تلك الخبائث ، وأكّد تحريمها بقوله عزّ من قائل : ( ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ) ، قال علىٰ سبيل الاعتراض : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ) . .
فربط بهذا علىٰ قلوبهم ، وثبّت أقدامهم ، وأنهضهم إلىٰ الأخذ بأحكام الدين ، وشحَذَ عزائمهم علىٰ إقامة شرائع الإسلام ، ونفخ فيهم من روح الطمأنينة والسكينة ما لا يأبهون معه بالكفّار .
وكان بعض المسلمين قد رهقهم الخوف من مخالفة الأُمم بما تعبّدهم الله به من حلاله وحرامه وسائر شرائعه وأحكامه ، وربّما خافوا من الكفّار أن يلغوا تلك الشرائع بعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان الكفّار يطمعون في ذلك ، فأراد الله تبارك وتعالىٰ تأمين المسلمين علىٰ دينهم ، فبشّرهم بقوله وهو أصدق القائلين : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ ) . .
أي بما أنعمت به عليكم من السطوة القاهرة ، والدولة المتّسقة ، فأصبح الكفّار بها أذلّاء خاسئين ، ويئسوا بسببها من تغلّبهم علىٰ دينكم ، فلن يطمعوا بعد هذا في الاستيلاء عليكم أبداً . .
وحيث بلغتم هذه المثابة من العزّ والمنعة فلا تخشوهم ، أي لا تخافوا من مخالفتكم إيّاهم في هذه الشرائع وإن نقموها عليكم ،
__________________
(١) أَنْعَمَ النظر في الشيء : إذا أطال الفكرة فيه ؛ ٱنظر : لسان العرب ١٤ / ٢١٣ مادّة « نعم » .