فإنّهم متىٰ سمعوها ( جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ) (١) ؛ لأنّها تقطع خطّ الرجعة عليهم وتوجب يأسهم ممّا أجمعوا عليه ، فلا يبقىٰ لهم مطمع حتّىٰ في التمويه والتضليل ، المسمّىٰ عندهم وعند أوليائهم بـ : التأويل ، فيكون منهم بسبب يأسهم كلّ خطر علىٰ الدين وأهله .
وقد ظهرت بوادر ذلك ليلة العقبة إذ دحرجوا الدِباب (٢) ، ويوم الخميس (٣) إذ صدّوه صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الكتاب . . ( وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ) (٤) .
__________________
(١) سورة نوح ٧١ : ٧ .
(٢) ٱنظر : الخصال ٤ / ٤٩٩ ، الاحتجاج ١ / ١٢٧ ـ ١٣٢ ، مجمع البيان ٥ / ٨٤ .
والدِباب ، واحداها : دَبّة : الكَثِيب من الرمل ؛ ٱنظر : لسان العرب ٤ / ٢٧٨ مادّة « دبب » .
(٣) إشارة إلىٰ يوم الخميس في مرض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قبيل وفاته ، حين طلب كتفاً ودواة من الحاضرين فقال : « هلمّ اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده » .
فقال عمر : إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله !
فاختلف من كان في البيت فاختصموا ، منهم من يقول : قرّبوا يكتب لكم النبيّ كتاباً لن تضلوا بعده ، ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا أكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال رسول الله : « قوموا ! » .
فكان ابن عبّاس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم .
ٱنظر تفصيل ذلك أو مضمونه في : صحيح البخاري ٧ / ٢١٩ ح ٣٠ وج ٩ / ٢٠١ ح ١٣٤ ، صحيح مسلم ٥ / ٧٥ ، مسند أحمد ١ / ٢٢٢ .
وقد استوعب السيّد شرف الدين قدسسره هذه القضية ببحث مفصّل في كتابيه : النصّ والاجتهاد : ١٤٨ ـ ١٦٣ ، الفصول المهمّة : ١٤٤ ـ ١٤٨ ؛ فراجع .
(٤) سورة التوبة ٩ : ٧٤ .