في ذلك علىٰ أحد ، كما تمثّله سيرتهم معه بأجلىٰ المظاهر المحسوسة ، لكن ( لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (١) !
إذا عرفت هذا كلّه ، تعلم أنّ أمر الإمامة كان حرجاً إلىٰ الغاية ، إذ إنّها من أُصول الدين ، فلا بُدّ من تبليغها ، ولا مناص عن العهد بها إلىٰ كفئها علىٰ كلّ حال .
وهنا الخطر والإشفاق من الهَرْج (٢) والمَرْج (٣) ، لأنّ أُولئك البغاة كانوا يأبون تبليغها والعهد بها إلىٰ صاحبها كلّ الإباء ، وكانوا يصدّون عن ذلك كلّ الصدود ، وقد علم الله ما أضمروه من الفتنة في هذا السبيل ، وما تأهّبوا وأعدّوا وتجهّزوا له من الوثبة إذا عهد بها النبيّ إلىٰ الوصيّ ، وإن كلّفتهم الوثبة ما كلّفتهم ، ولزمهم فيها من اللوازم الباطلة ما لزمهم !
لذلك لم تقتضِ حكمته تعالىٰ ، ولطفه بعباده ، ورفقه بهم ، أن يفاجئهم بآية من القرآن ينزلها نصّاً صريحاً جليّاً من كلّ الجهات علىٰ الوجه الذي ذكرتموه ؛ لِما في نزولها علىٰ ذلك الوجه من الضرر والخطر !
لأنّها حينئذ ـ لا محالة ـ تحرج أُولئك الأوغاد من أهل العَيْث والفساد ، فتخرجهم علىٰ الله تعالىٰ ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم بثورة في الإسلام شعواء ، فيها الخطر علىٰ الأُمّة ، والتغرير بالإمام وبالنبيّ وبالدين كلّه ، فروعه وأُصوله .
__________________
(١) سورة قۤ ٥٠ : ٣٧ .
(٢) الهرج : شدّة القتل وكثرته ، وٱختلاط الناس ؛ ٱنظر : لسان العرب ١٥ / ٦٩ مادّة « هرج » .
(٣) المَرْج : الفتنة المشكلة ، والفساد ؛ ٱنظر : لسان العرب ١٣ / ٦٥ مادّة « مرج » .