المغلّظة عقوبتها ، وقد ذكرنا شطراً منها في ما سلف ، ونذكر هنا شطراً آخر منها :
قوله تعالىٰ : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١) .
والآية تبيّن أنّ الواجب علىٰ المسلمين الإثخان في قتل المشركين ، وعدم أخذ الأسرىٰ والحرب قائمة قبل أنّ ينهدّ صفّ المشركين ويستولي عليهم الرعب .
وقد وصفت الآية أنّ العقوبة لو لا عفو الله تعالىٰ لكانت عذاب ، ووصفته بالعظيم ، وظاهر الآية وبمقتضىٰ الإثخان هو : كون الواجب القتل لا الأسر أثناء قيام الحرب مع المشركين وقبل انتهائها بتقويض معسكرهم ، لا ما يقال : إنّ الآية ناظرة إلىٰ حكم الأسرىٰ بعد انتهاء الواقعة ، وإنّ الواجب هو قتلهم لا مفاداتهم ؛ لأنّه يخالف الآيات اللاحقة : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (٢) ، الدالّة علىٰ أنّ القتل المطلوب هو أثناء الحرب لا بعد أنّ تضع الحرب أوزارها .
وكلّ هذا في غزوة « بدر » ، وكذلك الحال في غزوة « حنين » ، قال تعالىٰ : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ
__________________
(١) سورة الأنفال ٨ : ٦٧ و ٦٨ .
(٢) سورة الأنفال ٨ : ٧٠ و ٧١ .