مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) (١) . .
ونحوها من الآيات التي ظاهرها يوهم بأنّ القتال مخصوص بالمدافعة ، وقد تسرّب مثل هذا النظر إلىٰ بعض الأوساط الفقهيّة .
والذي أوقعهم في مثل هذا الوهم المخالف للمسلّمات الفقهيّة في الدين ، هو ما جرىٰ من الأحداث والممارسات في الفتوحات عبر تاريخ المسلمين . .
فإنّه قد وقع الخلط لديهم بين الجهاد الابتدائي وبين العدوان المبتدأ ، وحصر الدفاع في الجهاد الدفاعي ، مع إنّ الجهاد الابتدائي ليس بمعنىٰ الابتداء بالعدوان ، بل إنّ الغطاء الحقوقي للجهاد الابتدائي هو الدفاع الحقوقي ، وإنّ كان ابتداء الحرب من المسلمين بمعنىٰ الضغط علىٰ الكفّار تحت تأثير القوّة ، لكن ليس هو ابتداء عدوان ، بل ابتداء الضغط بالقوّة لردّ العدوان الذي مارسه الكفّار تجاه المسلمين في ما سبق ، فالابتداء في استخدام القوّة أمر ، والابتداء في العدوان أمر آخر . .
وأمّا التمسّك بسيرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلقد خلط أصحاب هذه المقولة بين الجهاد الابتدائي في مصطلح الفقهاء وبين العدوان الابتدائي الحقوقي ، فالثاني لم يكن في سيرته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أمّا الأوّل ؛ فغزوة « بدر » أعظم الغزوات كانت ابتداء في استخدام القوّة منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ردّاً علىٰ مصادرة أموال المسلمين في مكّة التي قام بها كفّار قريش ، وردّاً علىٰ الغارات المباغتة التي كان يقوم بها أفراد منهم علىٰ أطراف المدينة ، ونحو ذلك ، لكنّ ذلك لا يستوجب
__________________
(١) سورة الممتحنة ٦٠ : ٨ و ٩ .