فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) (١) ، فالدخول الفوجي الأفواجي للناس كان بحكم الانجذاب إلىٰ عظمة الدين ، والمثالية التي يتّصف بها صاحب الدعوة ، والكيان الداخلي الذي بناه . .
إلّا إنّ مجموع الممارسات في أحداث الفتوحات كبّلت الدين ، وألبست الإسلام أثواباً قاتمة ، وولّدت ٱنطباعاً لدىٰ بقيّة الأُمم والملل أنّ الدين الحنيف هذا هو دين السيف والدم ، ولغته لغة القوّة بالدرجة الأُولىٰ وفي القاعدة الأصلية له ، لا أنّه دين الفطرة العقلية ، ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) (٢) .
ومن ثمّ أخذت بعض الكتابات في العالم العربي الإسلامي منذ نصف قرن في التنكّر لقانون الجهاد الابتدائي في الإسلام ، باعتبار أنّه يعني لغة القوّة والعنف والعسكر ، ورفضاً للغة الدعوة إلىٰ سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، التي هي من الثوابت الأوّلية لطريقة الدعوة إلىٰ الإسلام ، وربّما تمسّكوا بسيرة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في جميع غزواته ؛ إذ إنّها لم تكن مبتدأة منه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل من مناوشات الكفّار أوّلاً للمسلمين ، وبذيل بعض الآيات من قبيل قوله تعالىٰ : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (٣) . .
وقوله تعالىٰ : ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم
__________________
(١) سورة النصر ١١٠ : ١ و ٢ .
(٢) سورة الروم ٣٠ : ٣٠ .
(٣) سورة البقرة ٢ : ١٩٠ .