منتشراً قبل البعثة ، كما يشير إليه قوله تعالىٰ : ( وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ ) (١) .
فقد أشارت الآية إلىٰ أنّ أهل الكتاب كانوا يستفتحون وينتظرون ويطلبون الفتح والنصر والظفر بالنبيّ ـ الذي سيبعث خاتماً ـ علىٰ الكافرين من مشركي الجزيرة العربية ، فلمّا عرفوا ذلك وأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم قد بُعث كفروا برسالته .
فالسورة تبيّن أنّ غرض هذه الفئة ( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) هو تسلّم مقاليد الأُمور ، وأنّها كانت علىٰ اتّصال في الخفاء وٱرتباط مع فئات معادية علناً لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ ( ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا . . . ) ، وكذلك بقية السور المتعرّضة لهذه الفئة بهذا الاسم تشير إلىٰ هذه العلاقات بين هذه الفئة وبين بقية الفئات الأُخرىٰ .
ثمّ إنّ السورة تبيّن أنّ طابع سياسة الدولة التي يقيمها أفراد هذه الفئة هو الإفساد في الأرض ، وقطع الصلة بمن أمر تعالىٰ بوصلهم ومودّتهم ، كالذي تشير إليه آية ٢٠٥ من سورة البقرة : ( وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) .
فهذه الآيات تحدّد أنّ أغراض الشريعة ـ في أحكامها وقوانينها السياسية ، وأبواب فقه النظام والسياسة الشاملة للجهاد الابتدائي ـ ليس الإفساد في الأرض ، وإهلاك الحرث ، وتبديد النسل البشري ، فإنّ الله يحبّ صلاح الأرض وأهلها ، فهذا هو سبيل الله تعالىٰ الذي أمرت الآيات القرآنية
__________________
(١) سورة البقرة ٢ : ٨٩ .