ثمّ إنّ تقدّم العَبّاس عليه السلام على جميع الحاضرين من أهل البيت ومن الأصحاب ، وفيهم أبناءُ الإمام وصحابة الرسول ، وكبار الشيبة والمشايخ ، وكون العَبّاس هو المتكلّمَ الأوّلَ في هذا المجمعِ الضخمِ الفخمِ ، والملتقى الشريف ، وفي مثل الموقف الحرج الّذي يرتج فيه الكلامُ على كلّ منطيقٍ ، إنّ تصدّرَ العَبّاس بمثلِ ذلك الكلام ، لدليلٌ على تملّيهِ بالإيمان واليقينِ بِما يقومُ به من المُتابعة لإمامِهِ ، كما ينمُّ عمّا يملكهُ من البُطولة والحميّة والدفاع عن الحقّ وأهله.
وممّا جاء في حديث المقتل : أنّ الإمام عليه السلام خاطب أخاهُ العَبّاس ، عند زحف جيش الكوفة نحو المخيّم الحسينيّ ، عصر التاسع من المحرّم ، فقال الإمام عليه السلام له :
يا عبّاسُ ، اركبْ ـ بِنفسي أنْتَ ، يا أخي! ـ حتّى تلقاهم ، فتقول لهم : مالكُم؟ وما بدا لكُم؟ وتسألهم عمّا جاء بهم (١)؟
إنّ تخصيصَ الإمام عليه السلام لأخيه العَبّاس لهذه الرسالة المهمّة فيها من الدلالة على المدى الفائق في اعتماده عليه بلا ريبٍ ، وهذا ما سنتحدّث عنه في الباب التالي من هذا الكتاب.
لكن تَفَدِّي الإمامِ بنفسهِ الشريفةِ أخاهُ العباسَ بقوله : «بِنفسي أنْتَ ، يا أخي! ...» فيه دلالةٌ أكبرُ ، لأنّ نفس الإمام عليه السلام هي أشرفُ نفسٍ على وجه الأرض ، والعَبّاس وكلُّ مَن معهُ إنّما حَضَرُوا معهُ لِيُحافِظُوا على نَفسهِ
__________________
(١) تاريخ الطبري (٥ / ٤١٦).