صِلُوا أرحامَكم ولا تقطعوها ؛ فإنَّ في صلة الرحم مَنسَأَة الأجَلِ ، وزيادة للعُمُرِ ، واتركوا البَغْيَ والعُقُوقَ ، ففيها هَلكَت القُرُون قبلكم ، وأعْطُوا السائِلَ ، وأجيبوا الداعِيَ ؛ فإنَّ فيهما شرف الحياة والممات. وعليكم بالصدق في الحديث ، وأداء الأمانة ؛ فإنّ فيهما مَحَبَّةً للخاصّةِ ومكرمةً للعامّة.
وإنّي أُوصيكم بمحمَّدٍ خيراً ، فإنّه الأمينُ في قريش ، والصدّيقُ في العرب ، وهو بكلّ ما أُوصيكم به ، وقد جاءَ بأمرٍ قَبِلَهُ الجنانُ وأنكرهُ اللسانُ مخافةَ الشنآن ، وأيمُ اللهِ ، لكأَنّي أنظرُ إلى صعاليك العرب وأهل الوَبَر والأطراف ، والمستضعفين من الناس قد أجابوا دَعْوَتَهُ ، وصدّقوا كلمتهُ ، وعظّموا أمرهُ ، فخاضَ بهم غَمَراتِ الموت ، فصارت رؤساءُ قريشٍ وصناديدها أذْناباً ، ودُوْرُها خراباً ، وضعفاؤها أرباباً ، وأعظمُهم عليه أحوجَهم إليه ، وأنفرُهم منه أحضاهم عنده ، قد مَحَضَتْهُ العرب ودادها ، وأصْفَت لهُ فؤادها ، وأَعْطتْ له قِيادَها ، دونكم.
يا معشر قريشٍ ، كونوا له ولاةً ، ولحزبهِ حماةً ، والله لا يسلك أحدُكم سبيلَهُ إلاّ رَشَدَ ، ولا يأخذُ أحَدٌ بهدْيهِ إلاّ سَعَدَ.
ولو كانَ لنفسي مدّةٌ ولأَجَلي تأخيرٌ ، لكفَفْتُ عنهُ الهزاهِزَ ، ولدفَعْتُ عنه الدواهِيَ» (١).
__________________
(١) نقل هذه الوصيّة المظفّر في بطل العلقمي (١ / ٨١ ـ ٨٢) عن كتاب (طراز المجالس ص ٢١٧).