والحسين عليه السلام ابن ذلك النبيّ ، وبضعةٌ منه ، وعصارة من وجوده ، والسائر على دربه ، والساعي في إحياء رسالته ، فهو يُمثّل في عصره جدَّه الرسولَ جسَديّاً ، ويُمثّلُ رسالتَهُ هدياً ، فلا غَرْوَ أن يكون له مثل ما كان لجدّه من الإعجاز ، وهو سائر في طريقه إلى الشهادة والتضحية من أجل الإسلام.
أليس الهدف من الإعجاز إقناع الناس بالحقّ الّذي جاء به الأنبياء؟!
فإذا كان ما يدعو إليه الإمام هو عين ما يدعو إليه النبيُّ ، فأيُّ بُعْدٍ في دَعْم هؤلاء بما دعم به أُولئك؟!
من دون تقصير في حقّ أُولئك ، ولا مُغالاة في قَدْر هؤلاء!
إنّ الحسين عليه السلام لمّا خرج من المدينة يُريد مكّة ، مَرَّ بابن مُطيعٍ وهو يحفر بئراً له ، وجرى بينهما حديث عن مسير الإمام ، جاء في نهايته : قال ابن مطيع :
إنّ بئري هذه قد رشَحْتُها ، وهذا اليوم أوانُ ما خرجَ إلينا في الدلو شيءٌ من الماء ، فلو دعوتَ اللهَ لنا في البركة.
فقال الحسين عليه السلام : «هات من مائها» فأُتي من مائها في الدلو ، فشربَ منه ثمّ تَمَضْمَضَ ، ثمَّ ردّه في البئر ؛ فأعذبَ ، وأمهى (١).
وهذا من الحسين عليه السلام ـ أيضاً ـ غيضٌ ، وهو معدن الكرم والفيض.
__________________
(١) الحديث في تاريخ دمشق (جزء تاريخ الإمام الحسين عليه السلام ، الحديث ٢٠١). وفي مختصر ابن منظور له (٧ / ١٣٠) : «وأمرى» بدل : «وأمهى».