يقول بأن الله يخلق أعمال العباد خيرها وشرّها قد صار إلى القول بأن الله عزوجل قد خلق الخاطر الداعي الى المعاصي وصار أيضا إلى القول بأنه دعا إلى المعصية بأحد الخاطرين ونهى عنها بالخاطر الثاني فصار داعيا إلى ما هو ناه عنه وناهيا عما هو داع إليه. وزعم أبو الهذيل أن الخواطر أعراض وأن الخاطر الداعي إلى النظر والاستدلال يورده الله تعالى على قلب العاقل يدعوه به إلى طاعته ويحرك به دواعيه على الاستدلال عليه بتخويفه وترهيبه والخاطر الثاني : من قبل الشيطان يصدّه به عن طاعة الخاطر الأول. ووافقه الجبّائي وابنه على وجود الخاطرين وإنهما عرضان غير أن ابن الجبّائي زعم أن الخاطر الداعي إلى النظر والاستدلال من قبل الله تعالى جار مجرى الأمر وهو قول خفيّ يلقيه الله تعالى في قلب العاقل أو يرسل ملكا يلقي ذلك في قلبه وكذلك الخاطر الذي يلقيه الشيطان قول خفي يخاطبه به وأنكر قول أبيه وأبي الهذيل في [كون] صفة الخاطر أنه على معنى علم أو فكر. وقول ابن الجبائي في هذا مثل قولنا في المعنى لأنه قد أقرّ بأنّ الإيحاء من الله تعالى إنما يكون بالقول الذي ليس من جنس الوساوس إلا أنّا قلنا أنه قول جلي مضاف إلى الله تعالى بلا واسطة أو إلى رسول متوسط ، واضافه هو إلى الله تعالى أو إلى ملك ولكن لا ننكر أن يكون الرسول من الله إلى عبده ملكا غير أنّا نوجب كونه مقرونا بمعجزة تدل على صدقه وقلنا لمن اشترط منهم في جواز التكليف القاء خاطر من شيطان في قلبه إن كان ذلك الشيطان غير مكلّف فلم ذممتموه ولعنتموه وإن كان مكلفا وجب أن يكون بدأ تكليفه بإلقاء خاطرين في قلبه : أحدهما : من قبل الله تعالى ، والثاني : من قبل شيطان سواه وكان الكلام في تكليف الشيطان الثاني كالكلام في تكليف الشيطان الأول حتى يتسلسل ذلك إلى شياطين بلا نهاية أو يثبت مكلّف بلا خاطر وفيه نقض أصولهم. وقلنا لأهل الحظر يلزمكم أن يكون اعتقاد الحظر محظورا [وقلنا لأهل الإباحة يلزمكم إباحة اعتقاد الحظر ومن المحال أن يبيح الله تعالى اعتقاد حظر ما ليس بمحظور. وهذا مما لا انفصال لهم عنه].