وبأن فى القرآن من الرموز أشياء عظيمة القدر ، جليلة ، تضمنت علم ما يكون فى هذا الدين من الملوك والممالك والفتن والجماعات ومدد كل صنف منها وانقضائه ، ورمزت بحروف المعجم وبغيرها من الأقسام ، واطّلع على علمها الأئمة المستودعون علم القرآن ، وأضيف إلى ذلك أن الشيعة يقولون فى كثير من مسائل أصول الدين بقول المعتزلة ، فهذا كتاب «الياقوت» لأبى إسحاق بن إبراهيم بن نوبخت من قدماء متكلمى الشيعة يؤكد ما أذهب إليه ، والأستاذ أحمد أمين يرجح تتلمذ الشيعة على يد المعتزلة ، بينما يقرر الشهرستانى أن من بين الشيعة من يميل فى الأصول إلى الاعتزال ومنهم من يميل إلى السنة وبعضهم إلى التشبيه ، والشريف المرتضى الشيعى المعتزلى ليس ببعيد.
والخوارج لا باع لها فى ميدان علم الكلام وقضايا العقيدة ، وقد انتهزت فرصة عملى بالجزائر واتصلت بالإباضية المنتشرين هناك ، وكاتبت العالم الإباضى الورع السيد / بيوضى ، استطلعه رأى الإباضية حول إعجاز القرآن ، واتجاههم فى مسائل العقيدة التى ناقشها المعتزلة والأشاعرة ، فأجابنى برسالة مستفيضة عما سألت ثم تسنّى لى لقاؤه والإفادة من علمه ، فخرجت من الرسالة واللقاء بأن للإباضية جهدا فى مسائل علم الكلام هو مزيج مما قالت المعتزلة والأشاعرة ، وأن لها رأيا فى الاعجاز هو شبيه برأى الأشاعرة.
لذا لم أتكلم عن الشيعة ولا عن الخوارج ، وأما عن المرجئة فلم أصادف لها متكلمين ، ولا كتبا خاصة ، ولا نظرة معينة إلى القرآن فى إعجازه.
والصوفية بدورها تعتبر نزعة من النزعات وليست فرقة مستقلة ، وقد استطاع الصوفية ـ متبعين فى ذلك الشيعة ـ أن يبرهنوا بطريقة تأويل نصوص الكتاب والسنة تأويلا يلائم أغراضهم ، على أن كل آية ، بل كل كلمة فى القرآن ، تخفى وراءها معنى باطنا لا يكشفه الله إلا للخاصّة من عباده الذين تشرق هذه المعانى فى قلوبهم فى أوقات وجدهم ، وهناك تأثر واضح للصوفية من المعتزلة ، فهم قد جعلوا مسألة القدر ، التى هى أهم قضايا المعتزلة ، نقطة أساسية فى مذهبهم ، فقالوا بالجبر على نحو لا اضطراب فيه ، ونلحظ أن التصوف قد انتشر فى فارس ، وفارس من مواطن الاعتزال.