بالقرآن والحديث وبالفلسفة وبأديان الأعداء أنفسهم ـ أدى كل هذا إلى نمو علم الكلام وتشعبه ، حتى صار بنيانا شامخا يدل على مدى عبقرية العقلية الاسلامية.
أما المتكلم ، فهو كل من يجعل القضايا الدينية موضوع برهنة جدليّة مجتلبا لها براهين نظرية لسند القضية التى يعرضها ، والجاحظ يخبرنا أن لفظ «المتكلم» يشتمل على ما بين الأزرقى والغالى وعلى جميع ما دونهما من الخارجى والرافضة بل على جميع الشيعة وأصناف المعتزلة بل على جميع المرجئة وأهل المذاهب الشاذة (١).
ولا يكون المتكلم جامعا لأقطار الكلام متمكنا فى الصناعة يصلح للرئاسة حتى يكون الذى يحسنه من كلام الدين فى وزن الذى يحسن من كلام الفلسفة (٢).
وهناك متكلمون أعلام برزوا فى سماء علم الكلام ، فمنهم عمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء ، والنظام ، والجاحظ ، والرمانى ، وعبد الجبار ، والزمخشرى ، وغيرهم ، وهم معتزلة ، ومنهم الباقلانى ، والجرجانى وغيرهم وهم أشاعرة ، ومنهم هشام بن الحكم ، وشيطان الطاق ، والشّكال ، وابن قبّة ، وأبو سهل النوبختى ، وغيرهم ، وهم شيعة (٣). ومنهم اليمان بن رياب ، وأبو على بن يحيى بن كامل ، وأبو على بن حرب الهلالى ، وعبد الله بن يزيد الأباضى ، وغيرهم وهم خوارج (٤) ومن متكلمى الزهاد والمتصوفة المحاسبى البغدادى ، وعبد العزيز بن يحيى الكنانى ، ومحمد بن الجنيد (٥).
هذه هى نشأة علم الكلام ، عامة ، أما عن الازدهار ، فما الحديث عنه إلا حديث عن جهود المتكلمين أنفسهم ، وما جهودهم سوى نموه وتطوره وازدهاره.
__________________
(١) الجاحظ ـ فى صناعة الكلام ـ على هامش الكامل ٢ / ٢٤٦ ط التقدم العلمية ١٣٢٢ ه مصر.
(٢) الجاحظ ـ الحيوان ٢ / ١٣٤ ط الحلبى ١٩٣٨ م تحقيق عبد السلام هارون.
(٣) ابن النديم ـ الفهرست ـ من ٢٦٣ إلى ٢٦٥ ط المكتبة التجارية.
(٤) نفس المصدر ـ ٢٧٢
(٥) نفس المصدر ـ ٢٧٥ و ٢٧٨