يأتوا بمثله إن كانوا صادقين (١) والكلام كلامهم وهو سيد عملهم ، قد فاض بيانهم وجاشت به صدورهم (٢).
ولقد رأى عرب قريش رسول الله عليه الصلاة والسلام ، يصلى ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء (٣) وكان أبو بكر لا يملك دموعه إذا قرأ القرآن (٤) وكذا عمر بن الخطاب ، ويقرأ عبد الله بن عمر (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) وعند ما يأتى إلى قوله تعالى (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) يبكى حتى ينقطع عن قراءة ما بعدها (٥).
هاجم. العرب الرسول ، وهاجموا مبعثه ورسالته ، إذ أحسوا فى عمق أن للقرآن أثرا فى نفوس الناس ، فخافوا أن يستجيب قومهم فمنعوهم أن يقتربوا من الرسول حين يصلى أو حين يقرأ بصوت عال (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت ـ ٢٦].
ومن الجدير بالذكر أن تأثير القرآن لم يكن مقصورا على العرب فحسب ، بل أثّر فى قلوب النصارى وخشعت له قلوبهم ، وهم على ما هم عليه من الرسول ومبعثه ، وقد وصفهم الله سبحانه بذلك فى قوله (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا : إِنَّا نَصارى ، ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ ، رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة ـ ٨٢ و ٨٣]
وقد ظهرت أسماء هنا وهناك تحاول تقليد الرسول فى النبوة وافتعلت محاولات سقيمة لقرآن معارض ملبّية نداء التحدى ، ولكن بلا جدوى (٦).
__________________
(١) الطور آية ٣٤ (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ) هود آية ١٣ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ، قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ) وفى البقرة آية ٢٣ (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) وكذا ورد هذا المعنى فى سورة يونس آية ٣٨.
(٢) الجاحظ ـ رسائل الجاحظ ٣ / ١٠٥ على هامش الكامل للمبرد ط التقدم العلمية ١٣٢٣ ه ـ مصر.
(٣) القرطبى ـ التذكار ـ ص ١١١ ط المعارف العلمية ١٣٥٤ ه.
(٤) نفس المصدر ـ ١٤٠.
(٥) نفس المصدر والصفحة ، وانظر فى ١٤٠ ـ ١٤٥ إلى أثر القرآن فى نفوس الصحابة.
(٦) الطبرى ـ جامع البيان عن تفسير آى القرآن ١ / ١٠ تحقيق محمود وأحمد شاكر ط دار المعارف.